في منتصف شهر جويلية من سنة 2016 تمّ بقصر الرئاسة بقرطاج تنظيم موكب رسمي للتوقيع على "وثيقة قرطاج" التي حملت جملة من البنود المتعلقة بالإصلاحات الكبرى والخطوط العريضة لعمل حكومة يوسف الشاهد،وثيقة أمضت نسختها التي إنتهت إليها جولات من المشارات تسعة أحزاب سياسية وثلاث منظمات وطنية كبرى علّق عليها كثيرون آمالا واسعة لحشد الدعم السياسي الواسع لإصلاحات كبرى ولخطوات أخرى كثيرة خاصة بعد رحيل حكومة الحبيب الصيد. بعد نحو سنتين تقريبا من موكب الإمضاء على وثيقة قرطاج أعلنت عدّة أطراف موقعة إنسحابها من الوثيقة ومقاطعتها لإجتماعات الأطراف الموقعة لأسباب مختلفة أبرزها على الإطلاق إتهام يوسف الشاهد رئيس الحكومة والباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية بخرق الوثيقة التي تحدّث كثيرون على أنها مهدّدة منذ الإعلان عن مضامينها، موقف أثار جدلا واسعا في الساحة السياسية بعد أن كثر الحديث عن تحوير وزاري وعن عجز في تطبيق الخطوط العريضة للإتفاق. بعد نحو سنتين يحتضن قصر رئاسة الجمهورية بقرطاج إجتماعات ماراطونيّة إنطلقت بدعوة لإجتماع ما تبقى من الأطراف الممضية على وثيقة قرطاج وإنتهت إلى تشكيل لجان خبراء للعمل على عدّة أصعدة باتت تسير بشكل واضح لإعلان مرتقب عن ميلاد "وثيقة قرطاج 2" التي بات من المعلوم حسب بعض التصريحات والمصادر أن مضمينها تتعلّق بعدّة جوانب من بينها الملفين الإقتصادي والإجتماعي وحتّى ملف تركيبة الحكومة نفسها. أربعة إصلاحات كبرى تشمل بالأساس اصلاح الصناديق الاجتماعية والوظيفة العمومية ومنظومة الدعم والنظر في الاولويات التي تخص ال20 شهرا القادمة بالإضافة إلى ملف التركيبة الحكوميّة ستكون مفصّلة في مضمون "وثيقة قرطاج2" التي ينتظر ميلادها هذه الأيام وقالت بعض المصادر من داخل اللجنة الفنية المشرفة على صياغتها أن الفرق بين "وثيقة قرطاج 1" و الوثيقة الجديدة هو ان الاجراءات في الوثيقة الثانية أكثر دقة ومؤطرة زمنيا وبالتالي قابلة للمتابعة. رضا الشكندالي العضو باللجنة الفنية التي تعكف على إعداد مضامين "وثيقة قرطاج 2" قال في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء ان المحور السياسي في المشاورات المتواصلة يشمل مراجعة عامة بما يعني ضمنيا تقييم عمل الحكومة مُبرزا في سياق متصل انه قد يتم التنصيص في ديباجة الوثيقة النهائية المُتضمنة لمخرجات أشغال اللجنة ، على تركيبة الحكومة ان كانت ستشكل استنادا الى نتائج انتخابات 2014 او من كفاءات مستقلة او من كفاءات متحزبة. لجنة الخبراء انتهت الأسبوع الماضي من ضبط بعض الأولويات المتعلّقة أساسا بالإقتصاد الموازي والإصلاح الجبائي وصندوق الدعم والمؤسسات والمنشآت العمومية وقامت بترحيل ملف الصناديق الإجتماعية إلى اللجنة الفرعية للعقد الإجتماعي وموضوع الوظيفة العمومية إلى اللجنة المشتركة بين الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل. وتحدّثت بعض الأخبار حتى عن فتحها مستقبلا لملف الأزمة المتفاقمة بين وزارة التربية ونقابة التعليم الثانوي. إذا كانت العناوين والإصلاحات الإقتصاديّة منتظرة منذ زمن وعلى غاية من الأهمية في الظرفية التي تمر بها تونس خلال السنوات الأخيرة فإنّ البحث عن سند سياسي واسع لفريق حكومي يحظى بأكبر دعم سياسي ممكن تبقى شروط نجاح مهمّة غير أن الحديث عن تحوير حكومي في هذه الظرفيّة بالتزامن مع إنتخابات بلديّة وقبل أشهر قليلة من الإنتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة قد يثير كثيرا من المخاوف. "وثيقة قرطاج 2" سترى النور قريبا وسيحتضن قصر الرئاسة بقرطاج حفلا آخر للتوقيع لا يختلف عن السابق فحتى المضامين قد باتت مكشوفة قبل الإعلان عن الوثيقة بشكل رسمي ولكن الأهم هو ما بعد ميلاد الوثيقة وتوقيعها خاصّة في ظلّ الوضع العام المشوب بالتوتر على مستوايات مختلفة في البلاد وعودة خطابات الشيطنة والإقصاء لغايات إنتخابية واضحة.