لعلّ من الثابت اليوم أن من أبرز أنواع الدعم الذي تلقته تونس بعد الثورة هو الدعم التركي، حيث ما فتئت تركيا تساند الانتقال الديمقراطي في تونس سياسياً كحال بقية دول الربيع العربي، ودعمت تونس كذلك أمنياً وعسكرياً واقتصادياً، فكانت سبّاقة لدعم الجيش و الأجهزة الأمنية ، فضلا عن دعمها الإقتصادي لها في أكثر من مناسبة. وفي خضمّ هذا الشأن، ونحو مزيد تعزيز العلاقة بين البلدين، تمّ الجمعة 20 أفريل 2018، توقيع مذكرة تفاهم بين تونسوتركيا، في مجالي التعليم العالي وتبادل المنح الدراسية بين جامعات البلدين. وتنص المذكرة التي تمّ توقيعها بتونس، إلى تعزيز التعاون في البحوث المتبادلة بين البلدين، وتنظيم برامج منح لتبادل طلاب في مجال تعليم اللغة وغيرها، وزيادة عدد طلاب المنح بشكل متبادل بين الجانبين. ولعلّ مجال التعليم والبحث العلمي ليس وحده الذي حظي بالدعم التركي ، إذ على الرغم من الرّفض القاطع لعدد من الأطراف السياسية للعلاقات الوطيدة التي تربط بين تونس و تركيا ودعواتهم المستمرة إلى تحجيم التعامل معها وذلك لاعتبارات إديولوجية إقصائية بحتة، فإن ذلك لم يعكّر صفو العلاقة التي تجمع تونس بها ؛ إذ اتّسمت العلاقات التونسية-التركية خلال السنوات الاخيرة بتقارب كبير، وذلك بتعزيز التعاون والشراكة في كافة المجالات، سواء على الأصعدة السياسية والاقتصادية والتجارية، أو على مستوى تقارب المواقف فيما يتعلق بالملفات الدولية والإقليمية. و في ردّه على الدعوات إلى مقاطعة المعاملات التركية ، قال وزير التجارة عمر الباهي مؤخرا انه ضدّ مقاطعة البضائع التركية مضيفا "انا مع تشجيع استهلاك البضائع التونسية". وتابع وزير التجارة حول سؤال لطفي العماري المتعلق بالدعوة لمقاطعة البضائع التركية ليس من الجيد شيطنة أصدقائنا الأتراك ونحن نستورد كثرا من البضائع الاولية من تركيا حيث انها تصنع قبل ان تصدر من جديد. وأعلن سفير تركيابتونس عمر فاروق دوغان في مارس الماضي،أنّ قيمة التبادل التجاري بين تونسوتركيا بلغت مليار دولار منها 240 مليون دولار صادرات تونسية و760 مليون دولار صادرات تركية نحو تونس. وبين السفير التركي أن بلاده تعد المورّد الرابع لتونس وليست السبب الرئيسي في اختلال الميزان لها، لافتا من جهة أخرى إلى أنّ الاحتجاجات الاجتماعية بالحوض المنجمي تسببت في انخفاض مستوى استيراد الفسفاط من تونس وذلك خلال محاضرة ألقاها بالمعهد الوطني للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا . جدير بالذكر أن الرئيس التركي أدى زيارة إلى تونس في 27 ديسمبر 2017 في إطار جولة قام بها إلى عدد من الدول الإفريقية لمزيد تعزيز العلاقات التركية معها. وجاءت زيارة اردوغان إلى تونس في توقيت مهم وحساس على أكثر من صعيد، أهمها الظروف الإقليمية والدولية، ومستوى العلاقة والتعاون بين البلدين، خصوصاً مع انعدام توازن المبادلات التجارية بين البلدين لصالح الجانب التركي في ظل ظروف اقتصادية صعبة تمر بها تونس، وتباين حزبي تونسي بشأن العلاقات الاقتصادية مع تركيا. وعبر رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ، على هامش لقائه بإردوغان، عن ارتياحه للتقارب الواضح بين البلدين في أكثر من ملف، مؤكداً أنه سيقوم بزيارة مماثلة إلى تركيا، ما يعكس رفع اللبس عن أكثر من موضوع ورغبة واضحة في الرفع من مستوى التعاون، وليس التراجع عنه كما تدعو بعض الأحزاب. ومن جانبه، بدا اردوغان واضحا بشأن دعم بلاده للتجربة الديمقراطية في تونس "الملهمة للمنطقة"، على حد وصفه، مؤكداً أن المسؤولين في البلدين سيبحثون كل ما من شأنه أن يحقق التوازن المنتظر، ودعم التجربة التونسية في حربها على الإرهاب وتحقيق النمو الاقتصادي. ووقع الطرفان اتفاقيات مالية وعسكرية، تمثل أولوية تونسية عاجلة، بالإضافة إلى التأكيد على تطابق وجهات النظر في أكثر من ملف دولي، أهمها القدس وليبيا. ويبلغ حجم الاستثمارات التركية في تونس 210 مليون دولار ل17 شركة تركية تستثمر في تونس. ويسعى القطاع الخاص في تركيا والذي يمثله مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية (دايك) إلى مزيد دعم التبادل التجاري والاستثمارات المتبادلة بين تونسوتركيا. وقد بلغ التبادل التجاري بين البلدين 992 مليون دولار بعد أن عمل مجلس الأعمال التونسي التركي التابع ل"دايك" إلى توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين عام 2005 وينشط المجلس في مجال تحسين العلاقات الاقتصادية التركية التونسية منذ 1990. وهو يهتم بتحسين التبادل والاستثمار في مجال النسيج والملابس الجاهزة والأحذية والأثاث وصناعة السيارات والسياحة وأعمال البناء.