كما جرت العادة في شهر رمضان المعظم عرفت تونس و المنطقة العربية بقوة الحكاية حتى أن التاريخ القديم يروي قصص الحكواتي الذي يتجول وسط المدينة فوق عربته المجرورة بواسطة حصان، ويتنقل من مقهى الى اخر ويقص حكايته أمام جمهور من السامعين ليعيشهم تفاصيل حكايته المحبوكة لينتهي بهم إلى عبرة تتوارثها الأجيال القادمة قصص وحكايات تذهل مستمعيها وتأخذهم إلى الخيال الواسع والأحداث التاريخية، فيرسم الحاضرون صورا قد لا تشبه ما يقال كثيرا، ولكنهم يبنون ما يسمعونه على شكل شريط لن يغادر أثره الذاكرة، فيمتد ذلك الأثر على طباعهم وتصرفاتهم، "وعندما كنا صغارا كانت الأم وغالبا الجدة تروي لنا الحكايات والقصص الخيالية لكي نخلد إلى النوم أو لنقتل الملل، وما زالت حتى الآن عالقة في أذهاننا" الحكاية أو الخرافة، كما يحلو للبعض تسميتها، لتحمل سياقات متباينة. البعض يربط هذا الفن بقصص الأجداد ويعتبرونه جزءًا من ثقافتنا كأمة تتفنن عادة في الحديث والبلاغة والوصف. فيقوم الحكواتي عادة بحركات جسمانية، تجمع الجد بالهزل والفرح بالحزن، وتتماهى مع النص في نقل للحكاية مع توظيف الرموز والأحاسيس والعناصر التربوية حينًا والتشويقية أحيانًا أخرى. "برا اشكي للعروي" وارتبط الحكواتي في ذاكرة التونسيين بعبد العزيز العروي (توفي 1971) الأشهر في هذا السياق، وهو من الأوائل في عالم الإذاعة التونسية، تعود شهرته إلى القصص الشعبية التي كان يرويها باللهجة الدارجة التونسية وقد صُورت بعض هذه الحكايات في سلسلة "حكايات عبد العزيز العروي" وعرضت على القناة التونسية وهي لا تزال تعرض بين الحين والآخر للآن رغم مرور عقود على تسجيلها وبثها. ساهم التلفزيون في شهرة العروي وتقديمه للعموم وساعده لجوؤه للهجة يعتمدها معظم التونسيين بعيدًا عن الفصحى والعبارات العربية المنمقة أو الجهوية غير الواضحة، إضافة إلى قرب مواضيع قصصه من الواقع اليومي التونسي خلال فترة عرض هذه الحكايات. وحتى الاطفال في تونس كان لهم نصيب من الحكاية فقد اشتهر رشيد قارة بحكاياه التي اتجهت نحو الأطفال أساسًا مع حفاظها على أسلوب جذاب ولغة سهلة الفهم، وقد عرضت معظم حكاياه على القناة العمومية التونسية خلال تسعينيات القرن الماضي. محاولة اعادة التقليد المنسي الحكواتيّ في تونس او ما يسمى لدى "البلدية" الفداوي يعود إلى بدايات القرن المنصرم، إذ كان الفداوي آنذاك شخصيّة شعبيّة تتميّز بقدرتها على حفظ عدد كبير من القصص والحكايات والخرافات والملاحم الشّعبيّة وسردها على النّاس في شكل بليغ ومؤثّر سماعًا وفرجة. كان الحكواتيّ مُقيمًا عند باب المدينة العتيقة حيث يلتفّ حوله النّاس حلقاتٍ واسعةً، فيستمعون إلى حكاياته التي لا يمنع الاطّلاع المسبّق عليها عادةً من الوقوع في سحر الاستماع إليها مرّة أخرى. ويتقاضى هذا الحكواتيّ في المقابل عددًا من "السّورديّات"، وهي العملة التي كانت شائعة في تونس خلال ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته. ويمثّل سرد هذه القصص عنصرًا رئيسيًّا من الأجواء الرّمضانيّة كذلك، إذ يجتمع النّاس في المقهى بعد الإفطار من أجل الإصغاء إلى الحكواتيّ دافعين بذلك معلومًا إضافيًّا لثمن القهوة أو الشّاي بعد الازدهار الكبير ابتعد هذا الفن عن التلفزيون أو أبعد قسرًا، الأكيد أنه لم يعد متاحًا للعموم بشكل واسع وقلت شهرته بين الناس، وحافظ على حضوره خاصة في المهرجانات المختصة بفن الحكاية والمسرح أو في بعض المراكز والنوادي الثقافية لكن أسماء عديدة شابة آمنت بفن الحكاية واتخذت منه طريقها. معظم الأسماء الشابة، كانت بداياتها من عوالم أخرى قريبة لكنها وفي مرحلة محددة سحرها عالم الحكي والخرافة والقصة واتخذته وسيلتها ورسالتها للمتلقي، لنجد في السنوات القليلة الماضية محاولات حثيثة لاعادة هذا التقليد الى عادات التونسيين ولنجده في زمضان هذه السنة يعود و بقوة فمسلسل تاج الحاضرة عبارة عن حكاية تروى تفاصيلها بطرق مختلفة اما مسلسل "علي شورب" رسخ طابع الحكاية في تفاصيله بصوت الممثل الحكواتي محمد السياري و تبقى عادات الاجداد لا تحصى ولا تعد لكن القليل منها بقي رغم غبار التاريخ