لم يخفت الجدل الذي أثارته سلسلة الكاميرا الخفية "شالوم" لمعدّه الإعلامي وليد الزريبي منذ بدء وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي تداولِ الحديث عن إيقاع سياسيين وشخصيات تونسية بارزة في فخ العمالة إلى حدّ عرض الحلقتين الأولى والثانية من البرنامج على قناة "تونسنا" بعد أن كان من المفترض عرضها على قناة التاسعة. وتحوّل "شالوم" من مقلب متلفزٍ إلى قضيّة رأي عام وشدّ وجذب على السّاحة السياسية والإعلامية ، وسط اتّهامات متبادلة بالعمالة والتطبيع للكيان الصهيوني، بعد الكشف عن أسماء لشخصيات معروفة أبدت استعدادها للتعامل مع "إسرائيل". ويقوم برنامج "شالوم" على استدراج الضيف إلى فيلا فخمة في تونس العاصمة بعد إقناعهم بإجراء حوار مع قناة «سي أن أن» الأمريكية، حيث يكتشف الضيف أنه داخل "مقر سري للسفارة الإسرائيلية" (مفبرك) تتكتم عليه الدولة التونسية، حيث تعرض عليه السفيرة "الإسرائيلية" المفترضة وفريق مستشاريها من «جهاز الموساد» عروضا سخية تتضمن دعمه سياسيا وماديا للوصول إلى سدة الحكم، كي يقوم بخدمة مصالح "إسرائيل" في مراكز الحكم عبر المطالبة بالتطبيع الكامل معها وافتتاح سفارة علنية لها في تونس. وفي الحديث عن برنامجه، أفاد منتج البرنامج الإعلامي وليد الزريبي بأن العمل هو أقرب إلى "التحقيق الاستقصائي" لكشف من يقبلون ب"خيانة الوطن والتطبيع العلني مع إسرائيل". وكان من المبرمج أن تعرض الكاميرا الخفية على قناة التاسعة إلا أن جهات ضغطت على القناة وأرغمتها على عدم بث البرنامج، وفق ما جاء على لسان الزريبي. فيما أصدرت إدارة قناة "التاسعة"، بياناً أكدت فيه أنها لم تعرض برنامج "شالوم" لضعف مستوى التصوير والتنفيذ، وأنها لم تتلقَّ أية ضغوطات من أي طرف خاصة أن جل من وقعوا في فخ البرنامج ليسوا من أصحاب النفوذ المالي أو السياسي. وأضاف البيان أن الظرف الذي تمر به القضية الفلسطينية والمنطقة العربية لا يسمح ببث مثل هذا البرنامج الذي يفرق بين التونسيين في الوقت الذي يحتاجون فيه إلى مزيد التلاحم. شركة "كامليون"، المنتجة للكاميرا الخفية "شالوم" ردت هي الأخرى ببيان أكدت فيه أن قناة "التاسعة" وإدارتها قامت بجملة من المغالطات للرأي العام، منها عدم علمها بمحتوى البرنامج فى الوقت الذي كانت إدارة القناة حضرت عمليات تسجيل البرنامج، وكانت مستعدة لبثه لولا ضغط بعض أصحاب الشركات التي تروج بضائع إسرائيلية هددت القناة بسحب إعلاناتها التجارية. ورغم أن البرنامج انطلق عرضه حديثا على قناة تونسنا، بعد رفض بثه من قناة التاسعة، فقد أثار جدلا سياسيا واسعا في تونس وخارجها، حيث هدد بعض المشاركين فيه بمقاضاة الشركة المنتجة وبعض وسائل الإعلام بتهمة التشهير بهم ومحاولة تشويه صورتهم أمام الرأي العام التونسي، مفنّدين ما ورد على لسان المنتج. وأصدرت حركة «وفاء» بيانا نفت فيه ما ورد على لسان المنتج حول قبول رئيسها عبد الرؤوف العيادي للعرض المالي المقدم مقابل التطبيع مع إسرائيل. وأضاف العيادي عبر صفحته على موقع «فيسبوك»: «رغم أجواء الترهيب التي افتعلها الفريق المشبوه عبر التصدي لمغادرتي المكان من طرف شخص مسلّح، ومنعي من استعمال هاتفي الجوال لطلب النجدة، والحديث عن مخطط لاغتيالي من طرف الموساد، لم أقبل العرض بدعمي في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، إذ أجبت بوضوح أن لا رغبة لي في الترشح لأي منصب وأن وضعي كمحام يكفيني، كما أنني رفضت حقيبة الأموال التي جيء بها وقيل إنها تحتوي على المال، بل أنني رفضت حتى قنينة الماء التي جيء بها بعد التسجيل، لما كنت أشعر به من عدوان استهدفني. وليد الزريبي خاطبته البارحة واستفسرته عن سبب كذبه، أجاب أنه كان ضحية مونتاج من طرف راديو شمس (الذي بث لقاء مع الزريبي حول البرنامج) وأنه بصدد التحوّل الى الإذاعة المذكورة لتوضيح المسألة وتكذيب ما ورد على لسانه بشأن قبولي العرض». وعلّقت المحامية ليلى حداد بقولها «آخر مرافعات الاستاذ عبد الرؤوف العيادي المناضل التي زلزلت قاعة الجلسة في الأيام الأخيرة حول منع دخول رياضيين إسرائيليين للتراب التونسي في إطار بطولة العالم للتايكواندو التي تم تنظيمها بتونس. عبد الرؤوف العيادي فوق الشبهات، ومحاولة التشويه لن تجد جدوى مع مناضل ثابت في مواقفه، ولأنه رجل في زمن قل فيه الرجال». كما نفى سليم شيبوب ما ورد على لسان الزريبي، مؤكدا أن مشاركته في برنامج «شالوم» اقتصرت فقط على حوار مع رجل دين يهودي اقترح عليه المساعدة لتحسين وضعه في البلاد. وأشار إلى أنه غادر القاعة فور علمه بوجود دبلوماسية «إسرائيلية»، نافيا تلقيه أي عروض مالية للقبول بالتطبيع، فيما طالب عادل العلمي ببث البرنامج، مشيرا إلى أنه «ليس لديه ما يخشاه». وكتب محمد عبو على صفحته في موقع «فيسبوك» تحت عنوان « كاميرا خفية تكشف هشاشة ديمقراطيتنا وحجم الفساد المستشري في بلادنا»: «عندما نتحدث عن معلومات حول تمويل أجنبي لسياسيين، أو حول قبول سياسيين لمال من ميليشيا مسلحة، فإن البعض قد يتصور أننا نبالغ لضرب خصومنا. اليوم كاميرا خفية تكشف ضعف شخصيات عامة أمام المال الذي مصدره الكيان الصهيوني، وتستهين بالدولة وقوانينها، وقد ترتكب أبشع جريمة سن لها قانوننا أقصى عقوبة في سلم العقوبات. هذا لا يجب أن يستغربه أي عارف بواقع تونس في عهد حكم المال السياسي الفاسد للدولة وتوجيهه لها. الأخطر من هذا الفساد، هو قدرة أصحاب النفوذ المالي على فرض مواقفهم على الخط التحريري لمؤسسات الإعلام وقدرتهم على توجيه الإعلام في الوجهة التي يريدون، بحيث ثبت أن باستطاعتهم توجيه الرأي العام بتقنيات بسيطة ولكنها فعالة، وأن المكسب الأساسي للثورة حاليا، هو بدوره مقيّد بفعلهم». وأضاف عبو «فيما يخصني، تمت دعوتي للبرنامج، وتفطنت إلى أنها كاميرا خفية منذ البداية وأعلمت الفريق بذلك. لا أعرف كل من رفض أو قبل المال، ومن رفضه يمكن أن يكون نزيها، وهذا الأصل في رأيي، وقد يكون تخوّف من إيقاعه في فخ ما، ولكن الخطير حسبما بلغني أن نسبة قد تفوق النصف من ضيوف البرنامج وافقوا على قبول المال، طبعا قد يكون بعضهم قام بمسايرة محدثه لإعلام الأمن لاحقا. هذا وارد حتى لا يُظلم أحد، ولكن حسبما علمت، هذا البرنامج قد يكشف للتونسيين حجم الدمار الذي حل بالبلاد في غياب المحاسبة، لمن لم يكتشفه بعد أو شك سابقا في من حذّر من ذلك». وكتب الباحث سامي براهم « «شالوم» كاميرا خفيّة تبحث عن الإثارة والفرقعة؟ أم عمل استقصائي لكشف الخونة والمطبّعين؟ « على حدّ قول صاحب البرنامج» أم عمليّة إيقاع واستدراج خفيّ للتّطبيع والتّطبيع مع التّطبيع؟ أم أجندة سياسية لتلميع البعض وتشويه آخرين؟ أم إثارة إعلاميّة تجاريّة سخيفة؟ من وضعوا غيرهم في هذا الاختبار هل سيصمدون لو وُضِعُوا في الاختبار نفسه؟ ليس هناك ما يؤكّد ذلك طالما لم يكونوا في موضع الاختبار نفسه».