لا يخفى عن أحد العداء المعلن من نجل رئيس الجمهورية والمدير التنفيذي لحزب حركة نداء تونس حافظ قائد السبسي تجاه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، بسبب خلافات بينهما وإن لم يُصرَّح بها قَوْلًا، وهو ما جعل وتيرة خطابه خلال مجمل الفترات الأخيرة لا تتنزل سوى في خانة ضرورة إقالة الشاهد وحكومته مكرسا من أجل ذلك شتى السبل حتى منها ضرب حزبه بشكل مباشر وغير مباشر. بيد أن آخر تدوينة نشرها حافظ السبسي على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، و إن لم تخرج من إطار ضرورة إجراء تحوير وزاري، فإنها جاءت بلهجة أقل حدّة ممّا عهدنا به نجل الرئيس لاسيّما لو قارنّاها بالمنشور الذي يسبقه الذي نشره حافظ الاربعاء 22 ماي 2018 والذي تهجم فيه على حكومة الشاهد بصريح العبارة . و لعل نجل الرئيس أدرك، بعد الهجمة التي تلقاها عقب المنشور السابق، أن الحل يكمن في إعمال العقل و انتهاج خطاب الحكمة دون سواه، سيما وأن خطاب القوة حصد له موجة غير مسبوقة من الانتقادات، الأمر الذي دفعه إلى تبرير موقفه . حافظ قائد السبسي فسّر ، في تدوينته التي نشرها الأحد 27 ماي 2018 ، السبب الذي دفعه الى اتخاذ موقفه المهاجم لحكومة الشاهد قائلا إن موقفه مردّه تداعيات " الوضع الاقتصادي المتأزم وما تراكم من احتقان اجتماعي وتراجع في منسوب الثقة السياسية وهو ما أفرز حالة من الخوف الجدي من انهيار التجربة الديمقراطية في بلادنا"، وفق تقديره. و في ردّ ضمنيّ منه على حركة النهضة التي خيّرت إجراء تحوير وزاري جزئي على إسقاط الحكومة برمتها "حفاظا على استقرار البلاد" ، اعتبر السبسي أن " الاستقرار مسألة حيوية لنجاح بلادنا " مشيرا إلى أن "هذا الاستقرار لا يستمد ضمانته من التركيبة الحكومية الحالية ولا من غيرها من الحكومات وإنما يستمد قوته وضماناته وشرعيته من التوافق السياسي الوطني الواسع أحزابا ومنظمات وطنية ، ذاك الذي ميز النموذج التونسي حتى يوفر لبلادنا أسباب النجاح." ولئن فنّد، في قوله هذا، مسألة ارتباط الاستقرار بتركيبة الحكومة، فإنه كشف أنه قد أعاد النظر في مسألة "التوافق السياسي"، إذ لا يخفى عن أحد أن نجل الرئيس وعدد من قيادات حزب نداء تونس على غرار برهان بسيس ما انفكت تؤكد خلال الفترات الأخيرة أن مرحلة التوافق السياسي الذي فرضته المرحلة الانتقالية قد ولّت و لا رجعة لها، و حافظ من خلال تدوينته الأخيرة سلط الضوء على أهمية تجربة التوافق السياسي ما يكشف إعادة خلط الأوراق داخل الحزب من جديد، وهو ما ستميط عنه اللثام الأيام القادمة . السبسي الإبن برر في تدوينته موقف حزب نداء تونس من الحكومة كونه جاء طبقا لمردوديتها و أدائها الضعيف و" لم ينبن قط على مواقف من أشخاص بعينهم ولا على تقييمات سياسية فقط " ، موضحا أن الحزب اتخذ قراره بناء على تشخيص دقيق وشامل جعلهم يستشعرون خطورة الوضع وانسداد الأفق وتحول أداء الحكومة من أداة نجاح إلى عنصر رئيسي من عناصر الفشل" . ولعلّه بشكل غير مباشر ألقى الكرة إلى والده رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي و دعاه إلى الدخول على الخط في المسألة واتخاذ موقف يوقف الجدل، مدونا : "اننا نرى أن الشراكة السياسية الواسعة بين مكونات وثيقة قرطاج تحت رعاية رئيس الجمهورية هي المنفذ الوحيد والامثل الذي يجعل بلادنا أكثر صلابة في مواجهة المصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها ويجنبها كل سيناريوهات الفشل ." و بناء على الخلاف بين الفرقاء السياسيين الذي طوق البند ال64 من وثيقة قرطاج2 والمتعلق بمآل الحكومة ، دعا " كافة مكونات وشركاء وثيقة قرطاج إلى مزيد اللحمة وتقريب وجهات النظر من أجل تنفيذ تعهدات مختلف هذه القوى تجاه الشعب التونسي'، و لعل رسالته ههنا موجهة بشكل مباشر إلى حركة النهضة على اعتبار أنها تمثل أبرز عنصر متمسك بيوسف الشاهد على رأس الحكومة. وأراد السبسي الإبن ، في خضم خطابه الذي حاول قدر الإمكان التخفيف من حدته، أن يختم تدوينته باستعراض عضلاته من خلال التذكير بأن حزبه هو صاحب أغلبية أصوات الناخبين في تشريعيات 2014 ، وعلى هذا الاعتبار لفت إلى أن من واجب حزبه، كصاحب أغلبية، أن يحافظ على هذه الأمانة من خلال " التمسك بعناصر نجاحه وأهمها الوحدة الوطنية بين أهم القوى السياسية والمدنية الفاعلة " .