لا يزال الجدل الذي تصدر الواجهة خلال الأيام القليلة الماضية، منذ منذ صدور تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة وتسليمه لرئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، متواصلا. وتواترت ردود الأفعال المستنكرة و الغاضبة مما جاء في التقرير على اعتبار أن فيه مسّا بتعاليم الإسلام والمقدسات التي يحميها الدستور الجديد ويسهر على فرض احترامها في بنوده و هاجم علماء الزيتونة اللجنة الرئاسية المكلّفة بتفعيل المساواة بين الجنسين، في بيان شديد اللهجة اتهمها بنشر الإباحية والفاحشة وتغذية الإرهاب وضرب استقرار المجتمع. وأصدر علماء ومشايخ جامعة الزيتونة بيانا شديد اللهجة اعتبروا فيه أن التقرير الذي أصدرته اللجنة يناقض بشكل «صريح» ما ورد في القرآن والسنّة النبوية و«ما انعقد عليه إجماع الأمة» وخاصة في ما يتعلق بتحريم الزنا والمثلية وأحكام الميراث والنسبة والنفقة والعدة والمهر، فضلاً عن «تعارضه» مع هوية الشعب التونسي المسلم ومحاولة التعدي على قيمه الروحية والأخلاقية. واعتبر البيان أن التقرير يؤدي إلى «مخالفة الفطرة الإنسانية السليمة وهدم الأسرة والإضرار بالمرأة والأبناء بالخصوص وتهديد سلم المجتمع وانسجامه وزعزعة الأمن القومي والسيادة الوطنية، وذلك بتكريس الفردانية ونشر الإباحية وإشاعة الفاحشة وتغذية الإرهاب مما يؤول إلى تعاظم الاحتقان الشعبي وضرب وحدة المجتمع والدولة، والإساءة إلى تونس في انتمائها العربي والإسلامي وفي فضائها المغاربي والإقليمي». وأثار البيان ردود فعل متفاوتة في تونس، حيث انتقدت الباحثة رجاء بن سلامة ما ورد في البيان، معتبرة أن علماء الزيتونة «خرجوا لتوّهم من العصر الجليديّ، كأنّهم خرجوا من الكهف بعد 300 عام. كأنّهم أُدخلوا في ثلاّجة منذ الاستقلال، فتجمّدوا ثمّ أخرجوا، وعندما عادت إليهم الحياة، قرأوا تقرير الحريات الفرديّة والمساواة وكتبوا عنه بيانا قروسطيّا. ياإلهي: ما زال في القرن 21 من يتحدّث عن انعقاد إجماع الأمة، وأحكام قطعيّة، والفطرة الإنسانيّة السّليمة، وإشاعة الفاحشة، وضلال مبين؟». وأضافت: «سؤال وحيد إلى أساتذة الزيتونة أصحاب البيان المزلزل: «إجماع الأمّة» المنعقد هل يضمّ الجنّ إضافة إلى الإنس؟ وهل يضمّ الأجنّة في بطون أمهاتهم؟ ومتى انعقد؟ أسئلة لم أستنبطها، ولكنّها توجد في ترسانة نصوص الفقه والفتاوى. نعرف الكتب التي تعرفونها. لكنّنا لم ندخل إلى ثلاّجة تجميد العقل». وتساءل الباحث كمال الزغباني «كيف تسمح رئاسة جامعة تابعة لوزارة في دولة تقول عن نفسها أنّها «ديمقراطيّة» بتنظيم ملتقى تعلن فيه صراحة ومنذ البداية أنّه معقود لبيان «تهافت» تقرير ما أو شيء ما أيّا ما كان، والحال أنّها مؤسّسة أكاديميّة؟ بأيّ مبرّر علمي أو بيداغوجي تنظّم رئاسة الجامعة المذكورة ذلك اليوم الدراسي بالتعاون مع جمعيّة يحمل اسمها في حدّ ذاته تناقضا صارخا ومقزّزا «الإعجاز العلمي في القرآن» في إشارة إلى ملتقى نظمته جامعة الزيتونة مع الجمعية التونسية للإعجار العلمي بعنوان «تعافت تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة». وأضاف: «بأيّ حقّ واستناداً على أيّ تشريع أو عرف جامعي تسمح الجهة المنظّمة لهذا اليوم الدراسي باعتماده ضمن برامج الدكتوراه. أي بإجبار الطلبة الباحثين على تبنّي الموقف الإيديولوجي والسياسي الذي يعلنه بلا مواربة؟ أين الحرّيّات الأكاديميّة؟ أين استقلاليّة الجامعة عن الأحزاب وأنشطتها التعبويّة؟ أين الوزارة؟ أين نقابة التعليم العالي؟ أين المنظّمات الحقوقيّة والمجتمع المدني وكلّ المؤمنين بالحرّية فكرا وممارسة؟ أليست هذه درجة قصوى من الإرهاب السياسي والإيديولوجي التي ينبغي علينا جميعا التصدّي لزحفها المدمّر؟». فيما عبّرت رئيسة اللجنة الرئاسية، البرلمانية والحقوقية بشرى بالحاج حميدة عن شكرها للدولة التونسية التي قالت إنها أمنت حماية أعضاء اللجنة ولكل من تضامن مع اللجنة، مضيفة: «الحب والإنسانية ينتصران حتما على الحقد والكراهية والعنف. ومعركتنا من أجل إنسانيتنا ومن أجل القضاء على التمييز وأسبابه ومن أجل قيمة أساسية وهي الحرية. وحريتي تعني حريتك، معركة جميلة وطويلة وضمان نجاحها يمر عبر الحوار مع الجميع وخاصة مع هؤلاء الذين يتصورون أنهم غير معنيين بهذه الحقوق أو معارضين لها». يذكر أن لجنة الحريات الفردية والمساواة، التي شكّلها رئيس الجمهوريةالباجي قائد السبسي في وقت سابق وترأسها البرلمانية بشرى بالحاج حميدة، كانت قد قدمت قبل أيام تقريرها النهائي إلى رئيس الجمهورية، ويتضمن عدداً من النقاط المثيرة للجدل أبرزها، المساواة التامة بين الرجال والنساء وبين جميع الأطفال بمن فيهم المولودون خارج إطار الزواج، وفضلاً عن إلغاء تجريم المثلية وإسقاط عقوبة الإعدام وتجريم التمييز ورفع القيود الدينية على الحقوق المدنية.