في انتظار تمرير رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة إلى مجلس نواب الشعب للمصادقة عليه، حالة من الغليان تتأجج في الشارع التونسي وسط الجدل القائم حول هذا التقرير، لينقسم التونسيون إلى جزءين : بين داعمين للتقرير وآخرين معارضين له. وفي أول رد على تقرير ، عبّر أساتذة ومشايخ وعلماء جامعة الزيتونة عن "رفضهم لتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة"، وطالبوا بسحبه وإلغائه انطلاقاً مما ورد في الفصل الأول من دستور 2014. واعتبروا أن "التقرير مناقض للقرآن والسنة ومصادم لهوية الشعب التونسي، ويتضمن تهديداً للسلم الاجتماعي، ومسبباً تعاظم الاحتقان الشعبي وضارباً لوحدة المجتمع، ويؤدي إلى مخالفة الفطرة الإنسانية وهدم الأسرة والإضرار بالمرأة والأبناء بالخصوص وتهديد سلم المجتمع وانسجامه". كما أكدوا أن التقرير "يكرس الفردية ونشر الإباحية وإشاعة الفاحشة وتغذية الإرهاب، ما يؤول إلى تعاظم الاحتقان الشعبي وضرب وحدة المجتمع والدولة". من جهتها، أعلنت جامعة الزيتونة أنها لا تتحمل أي مسؤولية علمية أو أخلاقية عما جاء في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، المقدم إلى رئاسة الجمهورية غرة جوان 2018، مؤكدة أنه لا يعبر عن موقفها، بل ترى فيه "التفافاً مشيناً على قيم الإسلام وتعاليمه". وأضافت الجامعة انها "لم تشرك بصفة رسمية في أعمال هذا التقرير ولا في صياغته ولم يكن لها حضور علمي فاعل فيه، يليق بمقامها وتاريخها باعتبارها مؤسسة إسلامية رسمية علمية". من جهتها، عبرت حركة "نداء تونس" عن تضامنها الكامل مع كل أعضاء "لجنة الحريات الفردية والمساواة"، وثمنت الجهد الهام الذي قاموا به من أجل تقديم جملة الرؤى والمقترحات التي تضمنها تقريرهم النهائي. ونددت الحركة بشدة، في بيان، بما سمته "موجة التشويه والتكفير الخطيرة التي تعاملت مع ما ورد في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة بمنطق الإسفاف والمغالطة، وبعيداً عن كل موضوعية في النقاش والاختلاف". وحذرت من أن "التمادي في طريق التشويه المقصود والتكفير الخطير قد يفتح الباب أمام تهديد حقيقي للسلامة الجسدية لأعضاء اللجنة وإدخال البلاد في مربع عنف وتطاحن لن يزيد أزمتها إلا تعفناً"، معتبرة أن مشروع التقرير يبقى مقدمة مفترضة لنقاش فكري عميق وحر، لا يمكن له أن يتحول إلى إلزام قانوني، إلا بعد عرضه للنقاش والتداول الحر والديمقراطي في مجلس نواب الشعب، الإطار المرجعي للتعبير عن السيادة الشعبية ديمقراطياً". واستنكر "حزب الوطنيين الديمقراطيين المُوحّد" ما وصفه ب"حملات تشويه وتكفير تطاول أعضاء لجنة الحريات الفردية والمساواة وكلّ الذين يتعاطفون معهم". واعتبر الحزب، في بيان، عمل اللجنة "مدخلاً لانطلاق نقاش مجتمعي حول قضايا حقيقية وهامة من أجل تقدّم مجتمعنا، يحق لجميع التونسيات والتونسيين المشاركة فيه في كنف احترام روح التعدّد والاختلاف". وأكّد الحزب "التزامه اللامشروط بالدفاع عن الحريات الفردية والمساواة التامة والفعلية وعدم فصلها عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لعموم المواطنات والمواطنين"، داعياً في بيانه "كل القوى الديمقراطية والتقدمية المدنية والسياسية إلى توحيد صفوفها والعمل على الدفاع عن الحريات العامة والفردية وتكريس المساوة التامة والفعلية بين المواطنين والمواطنات". فيما ثمّنت مجموعة من منظمات المجتمع المدني ( "اللجنة من اجل احترام الحريات وحقوق الانسان في تونس" و"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" و "جمعية يقظة من اجل الديمقراطية والدولية المدنية") ما ورد في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، داعية رئيس الجمهورية الى الاسراع بتقديم مشاريع القوانين المقترحة الى مجلس نواب الشعب حتى تقع المصادقة عليها. واعتبرت المنظمات في بيان أنّ ما ورد في التقرير يعتبر خطوة مهمة في اتجاه ترسيخ مبادئ الحرية وحقوق الانسان. وحيّت أعضاء اللجنة على "ما قدموه من حجج ومرجعيات اجتماعية ودينية وثقافية وحقوقية تساعد على تقبل ما ورد في التقرير من مقترحات تشريعية"، معبّرة عن مساندتها لما ورد في التقرير، وذلك حتى "تتلاءم منظومتنا التشريعية والقانونية مع مبادئ دستور جانفي 2014 وكذلك المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان والحريات الفردية والعامة". وأكّدت على ضرورة أن تتم مناقشة محتوى التقرير عبر "حوار مواطني مسؤول خارج دائرة التجني والعنف والتكفير". وندّدت المنظمات بحملات التكفير والتشويه والتهديد التي تقودها بعض الاوساط المتطرفة وكذلك أئمة المساجد ومن وصفتهم بفقهاء الوهابية والتي تستهدف اللجنة ورئيستها بشرى بلحاج حميدة، وفق ما جاء في نص البيان، داعية النيابة العمومية والسلطات القضائية الى سرعة التحرك بهذا الخصوص. بين التأييد والرفض، يرى متابعو الشأن العام أن هناك حدة كبيرة في النقاشات الدائرة بين المدافعين عن أعمال اللجنة ومعارضيها، ويتوقع مراقبون أن تتسع دائرة النقاش في الأيام المقبلة، وتخرج إلى الفضاء العمومي الواسع، ما سيزيد من شحنة التوتر التي تطبع المشهد التونسي.