لم تخفّ حدّة النّزاع بين كلّ من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري والقناة التلفزية الخاصة "نسمة" ، بل إن وتيرة النزاع اشتدت بين الطرفين خلال الأيام القليلة الماضية منذ انفراد القناة ببث حوار رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ممّا دفع الهايكا إلى الدخول على الخط وتوجيه أصابع اللوم إلى الرئيس حول لجوئه إلى قناة "غير قانونية" للإدلاء بحواره. ولم تقف "نسمة" مكتفة اليدين، بل سارعت إلى الردّ على هيئة الاتصال السمعي البصري، منتقدة في بيان لها القرار الذي اصدرته الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري القاضي بإيقاف اجراءت تسوية وضعية القناة. وأعتبر البيان أن الهايكا هيئة "غير قانونية" و أن وجودها اليوم "يتعارض مع أحكام الدستور الجديد الذي ينصّ في فصله 127 على أن تترك مكانها للهيئة الدائمة". واضافت القناة أنّ "الهايكا" أصبحت "أداة قمع وترهيب في يد الحكومة"، مضيفة أنّ قرارها "لا يعدو أن يكون بياناً سياسياً ينخرط في معركة سياسية تخوضها إلى جانب رئاسة الحكومة ضد مؤسسة رئاسة الجمهورية ولا تهم "نسمة" في شيء". وقالت إنّ الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري أصبحت "هيئة تصريف أعمال منذ أن عرض على مجلس نواب الشعب مشروع القانون الخاص بتنظيم وضبط صلاحيات الهيئة الجديدة الدائمة للقطاع السمعي البصري طبقا لدستور 2014"، مبدية استغرابها من قرار الهايكا ايقاف اجراءات تسوية وضعية قناة نسمة والذي جاء يومين قبل بث الحوار الذي أجرته القناة مع رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، حسب نصّ البيان. واوضح البيان أنّ الهايكا "أصدرت كراس شروط جديد دون أحكام انتقالية تأخذ في الإعتبار خصوصية أوضاع المنشآت السمعية البصرية المتحصلة على التراخيص قبل 14 جانفي 2011 على غرار قناة "نسمة" و "حنبعل". وقال البيان إنّ قناة نسمة "قامت منذ 10 أكتوبر 2014 بتقديم ملف يقترب أكثر ما يمكن مما طلبته "الهايكا" رغم خصوصية وضعها القانوني السابق لكنها لم تمض على كراسات الشروط الجديدة و ذلك صحبة قناة حنبعل". ولاحظ البيان أنّ بعث قناة "نسمة" يوم 20 مارس 2009 سبق نشأة "الهايكا" بأربع سنوات، مشيرة إلى أنّ هذا البعث تمّ بصفة قانونية بعد ما استوفت القناة كل الشروط القانونية و استجابت للإجراءت الترتيبية المطلوبة في الغرض من قبل الدولة التونسية، حسب نص البيان. جدير بالذكر أن الهيئة العليا المستقلة للإتصال السمعي البصري اعتبرت أن إجراء رئيس الجمهورية حوارا على قناة «نسمة» الخاصة، التي سبق للهيئة أن اتخذت قرارا بإيقاف إجراءات تسوية وضعيتها، يؤسس لثقافة الإنفلات والفوضى وعدم إحترام مؤسسات الدولة وقراراتها، ويتناقض مع الدور الموكول له باعتباره الضامن لاحترام الدستور والقانون. وأضافت «الهايكا» في بيان لها ، أنّ تواتر تهميش مؤسسات الإعلام العمومي من قبل رئاسة الجمهورية، «تحول إلى سياسة ممنهجة، وساهم في إختلال التوازن في المشهد السمعي البصري». كما لاحظت أنّ اللجوء إلى «قناة غير قانونية» تحول صاحبها إلى طرف في الصراعات السياسية وجعل منها قناة إتصالية دعائية، من شأنه الإضرار بالمشهد الإعلامي والمس من قواعد النقاش السياسي النزيه، الذي يشترط الإستقلالية والإلتزام بالقواعد المهنية والأخلاقية. من جهة أخرى، أكّدت «الهايكا» أنه من حق إذاعة «موزاييك أف.أم» الخاصة الحصول على النسخة الأصلية للحوار، والمساهمة في معالجته وفق القواعد المهنية المتعارف عليها، معتبرة أن إصرار قناة «نسمة» على الإنفراد بذلك ومحاولة فرض زوايا نظرها «يشكل ضربا لمصداقية التناول الإعلامي وتنوعه». ونبّهت كذلك إلى خطورة المنحى الذي اتخذته الصراعات السياسية في علاقة بتوظيف المؤسسات الإعلامية، مطالبة في الغرض رئيس الجمهورية بضمان إحترام مؤسسات الدولة وقراراتها. يشار إلى أن مجلس «الهايكا» كان قرر في جلسته المنعقدة يوم 2 جويلية الجاري، إيقاف إجراءات تسوية وضعية القناة التلفزية الخاصة «نسمة»، على معنى أحكام الفصل 50 من المرسوم عدد 116 لسنة 2011 (المتعلق بحرية الإتصال السمعي والبصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للإتصال السمعي والبصري)، لعدم قيامها بإجراءات تغيير الصبغة القانونية لشركة «نسمة برودكاست» المستغلة للقناة، من شركة ذات مسؤولية محدودة إلى شركة خفية الإسم وفق ما تقتضيه أحكام الفصل 4 من كراس الشروط المتعلق بالحصول على إجازة إحداث وإستغلال قناة تلفزية خاصة.