ضوضاء أثارتها الأزمة التركية الأمريكية, وحرب تصريحات و تهديد ووعيد, وعناوين صحفية لا تحصى ولا تعد, كلها تحدثت عن حرب اقتصادية بين أنقرةوواشنطن بسبب رفض تركيا اطلاق سراح القس الأمريكي. لكن هل يصدقّ العقل أنّ السبب قسّ؟ وما مصلحة تركيا في الإحتفاظ بمجرد قسّ لتحصد أزمة إقتصادية؟ أمضى المسؤولون الأمريكيون شهورا من العمل على صفقة مع الأتراك، لكن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان تراجع في اللحظة الأخيرة. الصفقة تهدف الى تسليم "آندرو برانسون" الى الولاياتالمتحدة مقابل تسلّم إمرأة تركية سجينة في إسرائيل. نشرت صحيفة "الفايننشيال تايمز" البريطانية ما وصفته ب"كواليس الصفقة السرية"، التي أدى فشلها إلى تداعيات خطيرة على الاقتصاد التركي. وكشفت أنّ دونالد ترامب سعى بصورة شخصيّة على حل الخلافات مع تركيا، وتدخل من أجل تأمين الإفراج عن امرأة تركية محتجزة في إسرائيل، بتهمة غسل أموال إيرانية، حكم عليها بالسجن 32 شهرا، لتقضي باقي عقوبتها في تركيا حاليا". ونقلت "الفايننشيال تايمز" عن مسؤولين أمريكيّين قولهم: "كنا على أهبة الاستعداد لعودة برونسون، وبالفعل عاد جواز السفر للقس الأمريكي، وحصل هو وزوجته على تذاكر السفر ومغادرة تركيا, لكن أردوغان أوقف الصفقة في اللّحظة الأخيرة و القسّ في المطار وطالب الجانب الأمريكي بمزيد من التنازلات فيما يخصّ مسألة إعادة فتح الله غولن إلى أمريكا". ويتهم أردوغان، غولن، الذي يترأس مؤسسة "خدمت" التي يتهمها الرئيس التركي بالتورط في الانقلاب الفاشل 2016 وتولّى المفاوضات من الجانب الأمريكي، ماثيو برايزا، الدبلوماسي الأمريكي السابق الذي يعيش في تركيا. أما من الجانب التركي فكان يتولى المفاوضات إحسان أرسلان، السياسي التركي، الذي يوصف بأنه "كاتم أسرار" أردوغان. وقال مسؤولون أمريكيون إن "العديد داخل الإدارة الأمريكية، باتوا يشعرون بالقلق من تسليط الضوء على برونسون فقط، وإمكانية عرقلته مستقبل المعتقلين الأمريكيين الآخرين في السجون التركية، ببساطة لأنهم ليسوا مسيحيين أنجيليين، ولن يستفيد منهم ترامب انتخابيا". أما عن "برانسون" القسّ حسب تصريح واشنطن و الجاسوس حسب المحكمة التركية فقد تساءل ممثلو الإدعاء عن سبب سفره مئات الأميال من كنيسته على الساحل الغربي في تركيا إلى الجنوب الشرقي الذي يغلب عليه الأكراد وينشط فيه "حزب العمال الكردستاني". من بين الأدلة الداعمة للاتهامات رسائل على هواتفه وتفاصيل عن سفرياته وشهادة من المترددين على كنيسته كما يشير قرار الاتهام إلى 3 شهود سريين يشار إليهم رمزا بأسماء "صلاة" و"نار" و"شهاب". وتستند قائمة الاتهامات إلى بيانات تحركاته عبر نظام تحديد المواقع والتي تبين قيامه برحلات إلى سوروك قرب الحدود السورية وإلى مدينة ديار بكر الكردية وإلى اجتماع عقده في 2010 مع رجل وصفه أحد الشهود السريين بأنه جندي من القوات الخاصة الأمريكية. وصرح برانسون إن رحلاته إلى المناطق الكردية كانت تهدف لمساعدة اللاجئين الهاربين من الحرب في سوريا. كما نقلت قائمة الاتهام عن الشاهد السري "صلاة" قوله إن هناك صلات بين برانسون وأشخاص يعتقد أنهم أفراد بارزون في شبكة غولن. وجاء في الرسالة المؤرخة بتاريخ 21 جويلية 2016 والموجهة إلى قس آخر "كنا ننتظر بعض الأحداث التي تهز الأتراك وتمهيد الظروف لعودة يسوع.. أعتقد أن الوضع سيزداد سوءا.. سننتصر في النهاية". وبعد أن رفضت محكمة تركية الإفراج عن القس الأمريكي، آندرو برانسون، وبعدما قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إن الولاياتالمتحدة لن تقف "مكتوفة الأيدي", هبطت الليرة ثلاثة بالمئة. وصارت قضية برانسون، القس المنحدر من ولاية نورث كارولاينا، والذي عاش في تركيا 20 عاما، أحد أبرز نقاط الخلاف بين واشنطنوأنقرة، وكانت سببا في تفاقم أزمة الليرة. ليبقى السؤال ماهي حقيقة "آندرو برانسون"؟ جاسوس أم قسّ؟