مضت ثلاثة أعوام على صعود وليّ العهد, محمّد بن سلمان, إلى قمة هرم السلطة في السعودية, رافقت تولّيه الحكم حملة مبشّرة رسمت صورة الملك العادل والمغيّر لدواليب الحكم في السّعوديّة والمنتصر لحرّيات المرأة. لكن سرعان ما بدأت سياسات محمد بن سلمان, تصطدم بتوجهات والده الملك سلمان بن عبد العزيز, بعد أن حوّل البلاد لمرحلة جديدة لا تتوقف الإنتقادات الداخلية والخارجية تجاهها. النكسة الأكثر شهرة هنا تتعلق بخطة طرح 5% من قيمة شركة أرامكو للاكتتاب العام وهي مضخة النفط العملاقة, التي بفضلها تدور عجلة النظام السعودي والكثير من دول العالم. ابن سلمان نفسه بحاجة للسيولة النقدية, وقد أصابه سعار الاستدانة من الخارج. الرقم الضخم حاليا يبلغ 12.5 مليار دولار في السندات الحكومية, والنّكسة تمثلت بإعلان تقارير صحفية إلغاء طرح شركة “أرامكو” التي اعتبرها الأمير أحد أهم أركان مشاريعه لدعم “رؤية المملكة 2030”. بيد أنّ التّناقض في سياسة السّعودية الداخلية والخارجية, منذ صعود نجم الأمير الشاب, فتح الباب أمام حقيقة الصّراعات والنّزاعات بين أفراد العائلة المالكة, التي باتت تأخذ منحى غير مسبوق في تاريخ الحكم منذ التأسيس, وتتناول حيثياتِها الصحافةُ الغربية قبل العربية والمحلية, بعد أن حافظت لعقود على إبقاء الخلافات داخل إطار العائلة الحاكمة. تداول ناشطون على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي, مقطع فيديو للأمير أحمد بن عبد العزيز,أثناء دخوله لمقرّ إقامته في لندن, وقد تجمّع متظاهرون أمام مقرّ إقامته وردّدوا هتافات مندّدة بسياسات “آل سعود”, ووصفوهم ب”المجرمين القتلة”. وظهر الأمير السعودي وهو يناشد المتظاهرين الغاضبين من إنتهاكات التحالف في اليمن, بأنّ أسرة “آل سعود” لا دخل لها بهذه السياسة, وأن المسؤولية تقع كاملة على الملك سلمان وولي عهده. هذا وقد ذكرت صحيفة “بوبليكو” الإسبانية أن الملك سلمان يبحث عن بديل آخر لولاية العهد خلفاً لابنه محمد, الذي يبدو أنه “خرج عن نطاق السّياسة التّقليديّة التي سارت عليها المملكة, خاصّة أن مشاريعه الداخلية والخارجية تعرضت لإنتكاسات كبيرة” حسب الصحيفة. بن سلمان وصفقة القرن.. تغيير لسياسات المملكة بدى جليّا مع التوجه الواضح للإعلام الرسمي السعودي وتأييده التطبيع مع دولة الإحتلال ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس, وإساءته المستمرة للفلسطينيين, فضلاً عن مباحثات ولي عهد السعودية مع المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين والأمريكيين حول تسوية القضية الفلسطينية, فإن ملك السعودية لم يصدر أي تصريح بهذا الخصوص, في حين تصدر بيانات رسمية عن الملك بين الحين والآخر تؤكد حق الشعب الفلسطيني في أرضه. أبدت السعودية, منذ أكثر من عام, دعمها لما يُعرف ب”صفقة القرن”, وهي خطة توشك إدارة ترامب على إعلانها, وتتضمن مقترحاً لتصفية القضية الفلسطينية والصراع مع دولة الاحتلال وفق الرؤية الإسرائيلية, يتضمن المقترح إقامة دولة فلسطينية تشمل أراضيها قطاع غزة والمنطقتين “أ” و”ب” وبعض أجزاء من منطقة “ج” في الضفة الغربية. منذ تولي ترامب منصب الرئاسة, دخل مصطلح “صفقة القرن” دائرة التداول, وبدأت التّفاصيل تتسرّب إلى وسائل الإعلام بعد زيارات صهره كوشنر وفريقه إلى عواصم إقليمية تعتبرها واشنطن أهم أدوات الترويج للصفقة, من بينها الرياض والقاهرة وتل أبيب. تستخدم السلطات السعودية “المال والنفوذ” كسلاح تعتمد عليه كثيراً في تحريك مخططات السيطرة على مدينة القدس وإغراء سكانها, لتكشف عن فصول حرب خفية وطاحنة تجري خلف الكواليس وداخل الغرف المغلقة ضد الأردن, الذي يتبنى مواقف سياسية مخالفة لتوجهات السعودية, وخاصة تمرير “صفقة القرن” والعاصمة الفلسطينية, وهو ما يتناقض مع مواقف المملكة تجاه فلسطين والفلسطينيين على مدى عقود. لكن خلال الشهور الأخيرة, أبدت الرياض اهتماماً مفرطاً بملف القدس بعد التقارب الظاهر بين مواقف ترامب في الشرق الأوسط وولي العهد السعودي, فقد دعمت القدس ب150 مليون دولار خلال القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في 15 أفريل الماضي, وتوافقت في حلول سياسية تستثني القدس من دائرة الصراع مع “إسرائيل”, إضافة إلى الشبهات التي لاحقتها هي ودولة الإمارات حول شراء عقارات مقدسية داخل المدينة وبالقرب من المسجد الأقصى, إضافة إلى ضخ الأموال لشراء ذمم المقدسيين لتغيير توجهاتهم ومعتقداتهم. هذه الخيوط مجتمعةً ترى شخصيات مقدسية ومراقبون أنها جزء من “مخطط خبيث”, تقف خلفه السعودية “الجديدة”, بقيادة محمد بن سلمان, للسيطرة على مقدسات المدينة وزيادة نفوذها, وسحب الوصاية الهاشمية بشكل تدريجي, لتتحكم فيها, في سابقة تاريخية. ملفات لم يتجرأ أي زعيم عربي أو إسلامي على القرب منها أو المطالبة بوضع حلول لها, لأنها تحمل في طيّاتها مخاطر كبيرة, من تمييع للقضية الفلسطينية وهوية القدس ونسف حقوق الفلسطينيين, تزعمت الرياض المباحثات حولها مع المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين, بقيادة ولي العهد بن سلمان, وسط غياب تام لأي دور علني لوالده. التّحالف ضدّ اليمن.. أسوء قرار تصاعدت في الآونة الأخيرة, الضغوط على المملكة لوقف الانتهاكات والقصف المستمر على مدنيِّين في اليمن, حيث أُجبرت الرياض على الاعتراف بتسبُّب غارة جوية لها في سقوط قتلى مدنيين, معظمهم أطفال. وإعتبرت الأممالمتحدة أن أسوأ القرارات التي اتخذها ولي عهد السعودية منذ توليه منصبه بجانب وزارة الدفاع, هو قرار الحرب على اليمن, كما تقول إن هذه الحرب خلفت أسوأ أزمة إنسانية على مر التاريخ. خبراء بحقوق الإنسان في الأممالمتحدة أكدوا أنّ الضربات الجوية التي شنها التحالف, بقيادة السعودية في اليمن, سببت خسائر شديدة في الأرواح بين المدنيين, وبعضها قد يصل إلى “جرائم حرب”. وذكر الخبراء المستقلون في أول تقرير لهم لمجلس حقوق الإنسان, نشرته وكالة “رويترز”, أن تقريرهم “تم إعداده بكل استقلالية”, وأنه جاء بناء على تحقيق ميداني ومقابلات مع مسؤولين وشهود, مؤكدين أن “السعودية والإمارات والحكومة اليمنية مسؤولون عن انتهاكات باليمن”, وأنه “حددنا أشخاصاً قد يكونون مسؤولين مباشرة عن ارتكاب جرائم حرب باليمن”. التقرير الجديد, جاء عقب قنبلة أمريكية الصنع أسقطتها طائرة من التحالف على حافلة مدرسية في صعدة شمالي اليمن, أدت إلى مقتل 51 شخصاً, بينهم 40 طفلاً, وفتحت هذه القضية جرائم تحالف الرياض وأبوظبي في هذا البلد الفقير. قرارات وليّ العهد محمد بن سلمان, وُصفت بالمتهوّرة والطّائشة, من قبل العائلة الحاكمة, وصمت ملك السّعوديّة لا يبدو طويلا خاصّة بعد الإنهيار الإقتصادي الذي بات يهدّد المملكة, بسبب سياسات بن سلمان خاصّة حرب اليمن التي كبّدت السّعوديّة خسائر فادحة. فهل ينهي الملك مسيرة وليّ العهد بن سلمان كما فعلها من قبل؟ أم قد ينتهي الأمر بسيناريو أسوء؟