أثارت حادثة حرق المصوّر الصحفي عبد الرزاق الزرقي الإثنين الماضي موجة من الاحتجاجات في ولاية القصرين وعدد من المناطق المجاورة لها، وقد تمكّنت وحدات الأمن ليلة البارحة من ثني 4 مواطنين عن حرق أنفسهم في يوم واحد. فماهي دوافع الانتحار حرقا وماهي رمزيّته وهل أن رسائله أبلغ من الانتحار بطرق أخرى؟ لا شكّ في أن ظاهرة الانتحار حرقا غير مقتصرة على تونس فقط بل توسّعت رقعتها لتشمل أغلب البلدان العربيّة وهي حركة احتجاجيّة للبرهنة على المعاناة والوجع الذي يشعر به المحتج. وفي هذا الاطار أكد المختص في علم الاجتماع سامي نصر أن ما تمت ملاحظته في سنوات ما بعد الثورة هو انتشار عمليات الانتحار حرقا بشكل كبير مؤكدا أن مصدرا من مستشفى الحروق البليغة ببن عروس كشف له أن حوالي 70% من حالات الحروق التي يستقبلها المستشفى ليست منجرّة عن حوادث بل أن المتضرّر من قام بها. وأفاد نصر في تصريح ل”الشاهد” أن منظّمة الصّحة العالميّة أكدت أن كل عملية انتحار ناجحة تسبقها 20 عمليّة فاشلة، وأعزى انتشار ظاهرة الانتحار حرقا إلى أن شرارة الثورة بالبلاد كانت نتيجة اقدام شخص على حرق نفسه مما جعله ومنطقته محط أنظار الجميع، وبالتالي أصبحت كل العمليات المشابهة وسيلة لجلب الانتباه . واعتبر أن العامل الثاني أخطر وهو انتشار ثقافة الفشل والاحباط أي أن شريحة من المجتمع التونسي تمكنت من معايشة الواقع المرير وأخرى رافضته ومحتجّة عليه، مشيرا الى أن الذين تعايشوا مع الواقع تشوبهم حالة من اليأس تتجلّى في ظاهرة الكسل في العمل وأن الرافضين للوضع يحتجّون بدون أمل في التغيير. واعتبر المتحدّث أن عمليات الاحتجاج والتعبير بالجسد تكتسي شكلا من أشكال النقمة على الذات، مؤكدا أن كل الدراسات التي أنجزت على الانتحار كشفت أن المجتمعات التي تقوم بثورات ترتفع فيها نسبة الانتحار لأن المواطن قبل الثورة كان يعيش في نمط معيّن تغيّر تماما بعدها وبسبب غياب عملية الاندماج الاجتماعي والتهميش “احد اهم دوافع الانتحار” يلجأ البعض الى الانتحار. وأكد المختص في علم الاجتماع أنه من بين أصابع الاتهام توجّه الى السياسيين بدرجة كبيرة لانهم تسبّبوا في خلق حالة الاحباط بوعودهم الانتخابية “سنة 2011” التي عيّشت التونسي في وهم ولدى اصطدامه بالواقع كانت نتيجته مؤلمة جدا، مشيرا الى أن جيل الثورة لا يجني ثمارها بل يجني صعوبات ما بعد الثورة. وأقرّ نصر بأن المجتمع التونسي يعيش حالة مرضية تحتاج الى المعالجة مشددا على ضرورة تولّي الحكومة معالجة مواطنيها ليعرفوا قيمة العمل والعلم والبلاد المواطن مشيرا الى أن المواطن آخر اهتمامات الحكومة على خلاف فترة الانتخابات.