يعيش المشهد السياسي اليوم على وقع نسق متسارع يزخر بالتحركات والأنشطة السياسية، خاصة مع اقتراب موعد السباق الانتخابي في موفّى 2019. وتمضي المكونات الحزبية قُدُمًا في التجهز لهذا الاستحقاق الدستوري من خلال عقد لقاءات إقليمية وجهوية ومحلية وتحضّر بعضها لمؤتمراتها الانتخابية تهيّؤا للمرحلة القادمة، وهو ما يعدّ مؤشّرا صحّيا باعتباره يندرج في إطار مسار الانتقال الديمقراطي الذي تعمل تونس على إنجاحه. وبينما أيقنت جلّ المكونات السياسية في تونس جدّية وحتمية الموعد الانتخابي 2019، لا تزال مكونات الجبهة الشعبية اليسارية تنتظر حصاد ما سيأتي به ملفّا “الجهاز السري والغرفة السوداء” المزعومين مُهدّدة بأنّ “لا انتخابات قبل فتح هذه الملفات!”. نداء تونس: مؤتمرات محلية وجهوية ومركزية من جهته، يمضي حزب نداء تونس في الاستعداد لعقد مؤتمره الانتخابي، مقدّما ملامحه وترتيباته على هامش ندوة اللجان الجهوية للإعداد للمؤتمر المنعقدة الأحد 6 جانفي 2019. وفي بيان نشره عقب الندوة، أعلن النداء أن المؤتمر سيعقد يومي 2 و3 مارس القادم وأن المؤتمرات القاعدية والمحلية لنواب المؤتمر ستنتظم أيام 1 و2 و3 فيفري وأن الجهوية ستعقد أيام 8 و9 و10 فيفري. وأكد البيان أنه سيتم قبول الترشّحات للمؤتمر انطلاقا من يوم 10 جانفي الجاري لدى المكاتب المحلية للحركة، مشدّدا على أن المؤتمر سيكون منفتحا على كل "أبناء نداء تونس" بما يعني فتح باب العودة للقيادات التي استقالت أو طردت أو جمدت عضوياتها من الحزب لأسباب مختلفة، مشيرا إلى انفتاح الحزب عمّا أسماه ب"الكفاءات الوطنية" من أجل “تحسين المشهد السياسي والاقتصادي وتقديم الإضافة التي تضمن تقدّم تونس". النهضة: لقاءات واجتماعات جهوية ومحلية ومن جانبها، تواصل حركة النهضة عقد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات الجهوية والمحلية لعلّ آخرها الاجتماع الذي أشرف عليه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، الأحد 6 جانفي بمنطقة سيدي حسين من ولاية تونس “للاطلاع على نشاط بلدية سيدي حسين والمشاريع التي تنوي إنجازها هذه السنة من أجل تحسين أحوال سكان المنطقة والعناية بالبيئة والنظافة والبنية التحتية…”. وألقى الغنوشي خلال اللقاء كلمة جدد من خلالها دعوته للتونسيين لتبني ثقافة العمل والجد والاجتهاد من أجل إنجاح الثورة واستكمال انتقالها الاقتصادي . الحزب الوليد ليوسف الشاهد وإعلان التأسيس وفيما يخصّ المولود الحزبي الجديد الذي يعرف بالمشروع السياسي لرئيس الحكومة يوسف الشاهد بقيادة المدير السابق للديوان الرئاسي سليم العزابي وبمشاركة نواب كتلة الائتلاف الوطني، تتواصل الاجتماعات الاستشارية حول تأسيس الحزب بمختلف الجهات، ليقع الإعلان عنه في الأخير من المنستير. وفي هذا الشأن، قال وليد جلاد النائب عن كتلة الائتلاف الوطني إن اجتماع المنستير سيضم كل المنخرطين في المشروع وأنّ "تونس الي نحبوها" هو شعار الاجتماعات الاستشارية. ومن جانبه، أكد مدير الديوان الرئاسي السابق ومُنشط مشروع رئيس الحكومة يوسف الشاهد إن "المشروع السياسي الجديد يسعى لتهيئة أرضية صلبة بهدف تأسيس حزب وسطي مهيكل شعبي ديمقراطي دستوري حتى يكون جاهزا للاستحقاقات السياسية المقبلة". مشروع تونس: لقاء إقليمي موسّع فيما نظم حزب حركة مشروع تونس من جهته الأحد 06 جانفي 2019، اجتماعا إقليميا موسعا تحت عنوان "الجهات هي الحل". وقد حظر الاجتماع الأمين العام محسن مرزوق ووزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة سليم الفرياني ووزير الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان محمد الفاضل محفوظ وأعضاء المكاتب الجهوية والمحلية من تطاوين ومدنين وقابس وصفاقس. المهدي جمعة في جولة بين الجهات ويعمل حزب البديل التونسي بقيادة رئيسه المهدي جمعة على مزيد التعريف بنفسه بين الجهات استعدادا للانتخابات القادمة. وقد انطلق جمعة منذ يوم 27 ديسمبر 2018 في جولة بين الجهات، في إطار سلسلة من الزيارات الميدانية من أجل “التواصل والتفاعل المباشر والمستمر مع المواطنين”، بدءا بعدد من ولايات الجنوب التونسي على غرار قبلي ومدنين وتطاوين وقابس. الجبهة الشعبية: لا انتخابات قبل ملفّ “التنظيم السرّي” وحدها مكونات الجبهة الشعبية لم تيقن بعد جدية الموعد الانتخابي المرتقب مهدّدة بأنّ “لا انتخابات قبل فتح عدد من الملفات”. وفي هذا الإطار، قدم زياد لخضر القيادي بالجبهة الشعبية والأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد، الأحد 6 جانفي 2019، شروط تنظيم الاستحقاقات الانتخابية القادمة التي اعتبر أنها غير مطروحة قبل الحسم في جملة من الملفات منها التنظيم السري للنهضة والمال السياسي المشبوه. وطالب لخضر بتنقية المناخ السياسي مما أسماه “العنف والتدخلات الخارجية والمال السياسي المشبوه وفتح كل الملفات العالقة وخاصة ملف اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي والتنظيم السري لحركة النهضة قبل طرح أي استحقاق انتخابي”. ورغم أنّ خطابه يندرج في إطار مزيد توتير المنافسة السياسية، ومحاولة إقحام القضاء والأجهزة الأمنية في تصفية خصم سياسي، يصرّح لخضر في الاجتماع ذاته بأن الوضع في تونس “يتسم بالتوتر سواء بين النخب السياسية أو فئات الشعب التونسي الذي يعيش أزمة اقتصادية خانقة”. ونقلت عنه وكالة تونس إفريقيا للأنباء على هامش انعقاد الدورة 17 للجنة المركزية للحزب بمنتزه بئر بلحسن بأريانة، قوله إن “التجاذبات السياسية بين مختلف أطراف الحكم عمقت الأزمة السياسية القائمة”. وكأن الجبهة الشعبية التي افتتحت السنة السياسية بقصّة التنظيم السري، بريئة من التجاذبات. لكنّ المتحدث باسم حزب “الوطد الموحّد” يقرّ، ولعلّها خروج عن “النصّ الجبهوي”، بأنّ المطالب المشروعة للشعب التونسي هي تغيير أوضاعه المعيشية، ودعا مناضلي حزبه والجبهة الشعبية إلى الاصطفاف خلف تلك المطالب. فهو إقرار بلا شعبية مطالب الجبهة وشروطها لإقامة الانتخابات، والمتمثلة في البت بملف “التنظيم السري”. ويبدو أن الجبهة الشعبية التي طالما دعت إلى إسقاط الحكومة وإلى ضرورة إجراء انتخابات مبكّرة، لم تَعُد راغبة في إجراء انتخابات عندما قرُبَ موعدها الشرعي، ليتّضح أنّ مشكلة الجبهة ليست مسألة إجراء الانتخابات من عدمه بقدر ما هي مسألة رفض قاطع ل”الشرعية”، لتُكرّس شتّى الممارسات من أجل تعطيلها، وفي أحسن الحالات الضغط من أجل تحسين شروط التفاوض لإقامة التحالفات وخلق مناخ انتخابي يمكن الاستفادة منه، إن ساهم في إضعاف صورة خصمها.