مع انكماش الضوابط الأخلاقية والقوانين الرّادعة اتسعت فُوّهة المشاحنات بين الفرقاء السياسيين، جموح، غضبٌ، شرارٌ متطاير و أسوأ الكلام و أرذله في فترة هي الأسوأ في تاريخ الاعلام المرئي الذي جعل من هذه الخلافات ركيزته وعصبه المُحرّك إمّا عبر الاستنجاد ب”كرونيكور” يُجيد فنّ السفسطة وخلق البوز أو عبر استدعاء شخصيات سياسية يُشهد لها بماضٍ سيّء الذكر في البرامج الإعلاميّة بسبب قدرتها الفائقة على افتعال المشاحنات والمشادات الكلامية ، وهو الشرط المطلوب لدى وسائل الإعلام. إلاّ أنّ هذه المُشاحنات تحولت لمادّة ثريّة للبلاتوهات التلفزية التي سجّلت و خلاف المعتاد أهدافًا مُقابل صراع الديكة أو المشاحنات الشخصية و باتت نسبة المشاهدة في بعض هذه البرامج مرتبطة بمدى استعداد ضيوف البرامج لخوض شجار من المستوى الأول، بمساهمة من المعدّ أو بصفة تلقائيّة، حتّى أنّ بعض الإعلاميين باتو يُغلبّون و في مناسبات كثيرة استدعاء أكثر الشخصيات حدّة و افتعالاً المشاكل بدلا من الشخصيات الرصينة و الهادئة تحت شعار “أنجحهم ..أكثرهم شجارًا”. إذن لا يُمكننا إنكار دور وسائل الاعلام في إشعال جذوة الخلافات السياسية و مهما كانت طبيعة النوايا فالسائد هو تغليب الحورات الناريّة المُتجاوزة لكلّ الخطوط الحمراء حيث نلاحظ و في أكثر من مناسبة اكتفاء الاعلامي او المنشط لدى اندلاع شجار من العيار الثقيل بالتفرج أو ربما قد يساهم في تسخين الاجواء أثناء نُشوب الخلاف للرفع من نسب المشاهدة”. و بات الاعلام بمختلف قنواته المتعددة مركزا رئيسيا لبث الكراهية و المحطة الأشمل لنقل المعارك الطاحنة و التحريض الاعمى للاستفزاز و الاقصاء في ظل غياب ملحوظ لاعلام مهني يحتكم للحرفية و الموضوعية و باب الشغل الشاغل للمنشطين و الاعلاميين الرفع من نسبة المشاهدة مهما كلف الأمر، فتحولت البرامج الاعلامية من برامج مؤطرة تخضع لضوابط قيمية إلى حلبة صراع تجمع سياسيين برُتبة ملاكمين عبر الاستنجاد ب “كرونيكور” على المقاس يجيدون افتعال المشاكل و خلق “البوز”. وتدُلّ كل المؤشرات على أن المواجهة بين الفصائل السياسية ، مُرشّحة لكي تتسع دائرتها خلال الفترة القادمة،ومن غير المستبعَد أن تطغى هذه المواجهة على مُختلف محاور الصِّراع، التي ستبرُز مع قُرب انطلاق انتخابات 2019.. “فُلان يُهاجم فلان ..و فلان يردّ على علان ..” عناوين تُكتب بالخط العريض في المواقع الاعلامية و تجد نصيبها من نسب المشاهدة ، و بين هذا و ذاك يقف المُنشط مستمعا منتشيا بنسب المشاهدة الآخذة في الاتّساع ، فكل لفظ سيّء بالنسبة له باب للارتزاق و الشعب بعوامه لا ينتظر خطابا حكيما منمّقا بقدر ما ينتظر معركة تأتي على حين غفلة ، حتى بات الصراع بين السياسيين منفذا من نوافذ الانتشاء و مصدرا كفيلا برفع نسبة المشاهدة الى أقصاها. اذن لا يختلف اثنين على حقيقة تشعب و تطور خطاب الكراهية في الساحة الوطنية ، إذ لا يمرّ يوم إلا ونرى صُورًا متعددة للكراهية على مستوى البلاتوهات التلفزية و البرامج السياسية فلا يكاد يمرّ يوم حتى يصادفك أمرّ الكلام و أشدّه سماجة من أعلى السلم الاجتماعي الى أسفله من المثقفيين و الأميين و ما بينهما ، فلا تكاد تميز بين سياسي و بين البلطجي ، بين مُثقف و همجِي، و لا يمكننا في هذه الحالة انكار الدور الذي يضطلع به الإعلام التونسي الذي تورط و بكلّ اصنافه في ترذيل السياسة و مشهد تونس ما بعد 14 جانفي في إطار استراتيجية مُعادية للثورة.