عادت الأزمة الداخلية الدّائرة في صفوف الاتحاد العام التونسي للشغل لتبرز بوضوح في الأيام الأخيرة في تطوّر غير مسبوق قد يعصفُ بالوحدة النقابية، حيث فجرت الأحداث الأخيرة و على رأسها أزمة التعليم الثانوي خلافًا مُتجذّرًا بين الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي وكاتب عام جامعة التعليم الثانوي لسعد اليعقوبي. ومازالت فصول الشدّ والجذب تتواصل في ظلّ استفحال أزمنة التعليم الثانوي بعد تلويح النقابة بعدم إجراء امتحانات الثلاثي الثاني، الأمر الذي رفضته المركزية النقابية والتي أكدت أنه لا مجال لسنة بيضاء. وهو الخلاف نفسه الذي اندلع خلال السنتين الماضيتين أواخر العام الدراسي. وتخشى المركزية النقابية من تأثير أزمة التعليم الثانوي في صورة الاتحاد وفي قدرته على التعبئة للتحركات العامة، وهو ما عبّر عنه عضو المكتب التنفيذي حفيظ حفيظ في حوار لموقع الشاهد. في المقابل أبدت الجامعة تمكسها بمطالبها حتى لو كلّفها ذلك سنة بيضاء، وعبّر اليعقوبي عن ذلك بالقول “بدأنا مُلامسة سنة بيضاء وفي حال عدم الاستجابة لمطالبنا خاصة منها المتعلقة التقاعد والمنحة الخصوصية فإن الجامعة ستواصل الاعتصام ومقاطعة الامتحانات”. وانقسم أساتذة التعليم الثانوي بدورهم إلى شقين أحدهما اعتبر أنّ المكتب التنفيذي قد تراجع عن تعهداته وترك الاساتذة لوحدهم وهو ما يفسر تمرد الجامعة، وآخرون أكدوا أن استخدام الأطفال “رهائن” من شأنه أن يسيء إلى المربين وإلى البلاد والاتحاد، وأن التزام التهدئة ضروري لإنجاح باقي أشواط التفاوض. بوادر خلاف أخرى طفحت على ساحة الأحداث بعد أن فنّد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، تصريحات لسعد اليعقوبي الأخيرة التي أشار خلالها الى “أن وزير التربية حاتم بن سالم اتصل بالطبوبي وطلب منه التفاوض مع المكتب التنفيذي وإقصاء جامعة التعليم الثانوي من طاولة المفاوضات والطبوبي رفض التمشي”. وشدّد الطبوبي على أن وزير التربية لم يتصل به، مشيرا إلى أنه لا يمكن لأي وزير أن يطلب من الاتحاد التفاوض وإقصاء الهياكل المنتخبة. وأكدت مصادر نقابية اليوم الأربعاء أن المكتب التنفيذي الموسع للاتحاد العام التونسي للشغل سيعقد اليوم اجتماعا للنظر في أزمة التعليم الثانوي وأن المركزية النقابية تحمل المسؤولية للطرفين الحكومي والنقابي. ويأتي ذلك بعد أن دعا نواب، أمس الثلاثاء، رئيس الحكومة يوسف الشاهد والمركزية النقابية إلى التدخل العاجل قصد إيجاد حل للأزمة القائمة بين وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الثانوي وإنقاذ السنة الدراسية. وشدد النواب على ضرورة انتهاج جميع الأطراف سياسة الحوار المسؤول، والابتعاد عن الصراعات الضيقة، والناي بهذا الملف عن التسييس، لاسيما وأنه أصبح بمثابة الجريمة المقترفة في حق التلاميذ والأولياء، الذين “ضاقوا ذرعا” بتعطل الحوار بين الطرفين الحكومي والنقابي، ومن توقف الدروس والتلويح بمقاطعة الامتحانات. ويرى مراقبون أن تدخّل المركزية النقابية مُمثّلة في الطبوبي على خطّ الإصلاح قد يُفجّر ذلك أزمة جديدة بين الطبوبي واليعقوبي خاصة وأنّ الأخير عُرف بمواقفه المُتمرّدة على المركزية النقابية بانت بالكاشف أثناء مسيرة الغضب الذي نظمها الأساتذة ديسمبر الماضي. وتحولت شعارات أساتذة التعليم الثانوي أثناء وقفة احتجاجية انتظمت يوم 19 ديسمبر من شعارات غضب ضد الحكومة إلى شعارات ضدّ المركزية النقابية بينها “يا حشاد شوف شوف الخيانة بالمكشوف” و “يا حشاد ويني رجالك الطبوبي باع ولادك”، شعارات نقلت مباشرة على صفحة نقابة التعليم الثانوي على موقع الفايسبوك، في رسالة واضحة للمركزية النقابية و لنورالدين الطبوبي على وجه الخصوص. وكان مئات الأولياء نظموا مؤخرا وقفة احتجاجية ومسيرة نحو ساحة محمد علي رفضا لمقاطعة الامتحانات، ووجّه الأولياء شعارات غضبهم ضد لسعد اليعقوبي، دون الأمين العام نور الدين الطبوبي. ويجدر التذكير أنّه تم توبيخ كاتب عام جامعة التعليم الثانوي لسعد اليعقوبي إثر نشره خبر قرار الهيئة الإدارية تنفيذ الإضراب العام ليومي 21 و22 فيفري المقبل، أثناء انعقادها، وفق ما نقلته إذاعة موزاييك. ويشار إلى أنّ لسعد اليعقوبي كان قد ترشح في المؤتمر الأخير للاتحاد العام التونسي للشغل في جانفي 2017 على قائمة منافسة للقائمة الوفاقية بقيادة نور الدين الطبوبي، وقد تشكلت القائمة المنافسة على قاعدة اتهام نور الدين الطبوبي بالسعي لاستمالة أصوات النقابيين الإسلاميين بضم نقابي محسوب عليهم إلى قائمته وهو الطاهر البرباري الكاتب العام لجامعة المعادن والالكترونيك. وشنّ اليعقوبي آنذاك، بمعية عضو المكتب التنفيذي السابق قاسم عفية، حملة منافسة الطبوبي بعنوان “تحصين الاتحاد من الاختراق”. ويعرف اليعقوبي بانتمائه للتيار القومي الذي يشكل حزامه النقابي والسياسي والحزبي الداعم له