تمثّل التعدّدية الحزبية مكسبا من مكاسب الثورة التونسية، وتعتبر طفرة الأحزاب السياسية أبرز مؤشر على التعددية والديمقراطيّة والتعايش والتداول السلمي على السلطة والانتقال الديمقراطي، في بلد عانى طيلة عقود من الدكتاتورية ورفض الآخر. ولئن اختلفت المرجعيات والإيديولوجيات والبرامج والرؤى لكل حزب فإن الهدف الأسمى من إنشاء الأحزاب السياسية هو إدارة الدولة وتطويرها وتأطير المواطنين واحتوائهم بغضّ النظر عن الصراع السلمي من أجل السلطة الذي يمثّل جوهر بنية الأحزاب. ولقد أثبتت التجربة التونسية بعد الثورة أن جل الأحزاب التي خيّرت التطرّف ومعاداة الأحزاب الأخرى لقيت نفس المصير وهو التلاشي والتصدّع، على عكس الأحزاب التي أثبتت من خلال التحالفات ومن خلال سياسة التوافق مع مخالفيها، حرصها الشديد على خدمة البلاد بعيدا عن المصالح الضيقة ويبدو أن بعض أعضاء المشروع السياسي الجديد “تحيا تونس”، على غرار ليلى الشتاوي وهدى سليم، لم يعوا الدرس من تجربتهم الماضية بحزب نداء تونس وأدلوا بتصريحات تنذر بأزمة تعايش داخل حزب “تحيا تونس” وبينه وبين محيطه وشركائه. ولقد دوّنت النائب بمجلس نواب الشعب عن كتلة الإتلاف الوطني هدى سليم على صفحتها الرسمية بموقع “فايسبوك” أن “حركة “تحيا تونس” سوف تكون الحركة التي ترجع حركة النهضة إلى حجمها الطبيعي (وهو صغير جدا) وتجمع أغلب القوى الديمقراطية المنورة وتنهض بتونس إلى أعلى المراتب.. المسألة مسألة وقت، وهذا وعد”. ومن جانبها قالت النائب ليلى الشتاوي عن الائتلاف الوطني في تصريحات إعلامية “إن حزب نداء تونس يشبه كل شيء كان لحزب”، كما توجهت الشتاوي لحافظ قائد السبسي بالقول: "ريض وشد تركينتك .. نداء تونس انتهى.. دمرت الحزب واليوم انت بصدد تدمير حياة التونسيين”. وتواترت التصريحات العدائية والاستفزازية للنائبتين في إطار الجدل حول “المدرسة القرآنية “بالرقاب، منها ما صدم عموم التونسيين ومنها ما كان ترويجا لمعطيات لا دليل على صحتها كان هدفها ربط حركة النهضة بالملف وتوريط نائبة من الحركة في القضية، وذلك في الوقت الذي تشكل فيه حركة النهضة الداعم الأول ضمن الحزام السياسي لحكومة يوسف الشاهد “زعيم” مشروع حزب “تحيا تونس” المولود من كتلة الائتلاف الوطني. وذلك ما دفع بالنائب وليد جلاد إلى التبرؤ من هذه التصريحات وتأكيد أنّ سليم العزابي هو المتحدث الرسمي باسم الحزب. وتندرج هذه التصريحات ضمن الخطابات التحريضية والإقصائية التي تنبذ التعايش بين الطبقة السياسية وتعزى بالأساس إلى ضعف أو غياب الديمقراطية وكذلك ضعف الأحزاب السياسية وعدم قدرتها على المنافسة على الحكم بفاعلية، وضعف قدرتها على الحشد والتأثير. وكثيرا ما تنتهج الأحزاب التي تعاني من ضعف البناء الداخلي والتفتت والانقسام سياسة توتير الحياة السياسية والعمل على إقصاء الآخر وتعطيل عملية التحوّل الديمقراطي، الشيء الذي يعطّل عمل هياكل الدولة ويؤثر سلبا في الأهداف الأساسية التي وضعت من أجلها الأحزاب. وتحيلنا محاولات خلق أزمة تعايش “تحيا تونس” الداخلية ومع محيطه، إلى أولى أزمات حركة نداء تونس الذي يعاني إلى الآن من وطأتها، فبعد أربع سنوات مضت على فوز حزب “نداء تونس” في سباق الانتخابات التشريعية في 26 أكتوبر 2014 التي جعلته صاحب أكبر ثِقل تحت قبّة البرلمان، آنذاك، ب86 مقعدا من إجماليّ 217 مقعدا، وبعد استحواذه على السلطة التشريعية وعلى السلطة التنفيذية برأسيها، وأخذ زمام الرئاسات الثلاثة رئاسة الجمهورية للباجي قائد السبسي ورئاسة مجلس النواب لمحمد الناصر، ورئاسة الحكومة ليوسف الشاهد، عصفت بالحزب موجة من الاستقالات على خلفية أزمة تعايش داخل الحزب ثم سرعان ما انتقلت الأزمة الى محيطه وشركائه فأعلن الحزب القطيعة مع حركة النهضة والقطيعة مع رئيس الحكومة ومع الوزراء الذين لا ينسحبون من مهامهم فاتسعت بذلك رقعة أزمة الحزب التي لم تلتئم إلى يومنا هذا.