قبْل انطلاقها، قسّمت الانتخابات التشريعية والرئاسية الأحزاب التونسية إلى قسمين، قسمٌ يضمُّ أكبرها وأكثرها تأثيرًا في التّونسيين، وقسمٌ ثان يضمّ الأقلّها تأثيرًا وأكثرها صخبًا، أحزابٌ فشلت في استثمار المناخ السياسي الدّيمقراطي وبدلاً من ذلك تحولت لظواهر صوتيّة تغذي التسويق الإعلامي وتُفقِرُ في المُقابل الحياة السياسية. وبين الفينة والأخرى، تخرجُ رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى بتصريحات ومواقف رنّانة تثير حولها ضجّة إعلامية وفايسبوكيّة، فبعد توعدها “بزلزلة الأرض” وبعد المجهودات التي بذلتها في استنباط دستور ينافس دستور الشعب وبعد تأكيدها على أنّ حزبها لا يعترف بقوانين الدولة الصادرة في مرحلة ما بعد الثّورة، أطلّت عبير موسى، المثيرة للجدل، بتصريحٌ لا يقلّ غرابة عمّا سبقه لتؤكد أن حزبها سيطعن في الانتخابات المقبلة، لتنتقل عبير موسى بهذا التصريح إلى السّرعة القصوى من نقد الماضي وازدراء الحاضر إلى استباق المستقبل بالتّشكيك في انتخابات لم تنجز بعد، في تصرّف يعكس خلفيّات العقل السياسي التجمّعي ومستوى عجزه الفكري الذي بات يُثير السّخرية. وأكّدت الأمينة العامة للحزب الدستوري الحر عبير موسى خلال وقفة احتجاجية انتظمت مؤخرا أمام المسرح البلدي بالعاصمة، أن الحزب سيطعن في الانتخابات في صورة رصد تجاوزات، وسيحمل المسؤولية للرأي العام الوطني، ولهيئات الرقابة الانتخابية الدولية. وأبرزت ان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مشكوكٌ في استقلاليتها وفي حياديتها، إلى جانب وجود 3 ملايين ناخب غير مسجلين الى حد الآن، معتبرة أن التسجيل من المفروض أن يكون بصفة مستمرة ودون انقطاع، فضلا عن عدم محاسبة الأشخاص الذين استفادوا من التمويلات الأجنبية في انتخابات 2011 و2014 . ومنذ الثورة إلى اليوم، حاولت أحزابُ التجمّع العودة للساحة السياسية مدجّجة بأحزابها وقواعدها لاستعادة الدولة التي يعتبرونها ملكا شرعيّا لهم، فلم تتوان أحزابُ التجمّع المُرسلكة لحظة واحدة عن استخدام كلّ الفرص المتاحة لتقويض الثورة والتجربة الدّيمقراطية في تونس وإخراجها من بُعدها الرّمزي إمّا عبر التصريحات المستفزة أو عبر حملات الشّيطنة والتأليب والشّحن ونشر المُغالطات. وما لا يمكن أن نفهمه أو نقدّره هو حاجة عبير موسى للعب دور البطولة في سياقات لا تتطلب تواجد هذه الأدوار، فلا يمكنُ مثلاً أن تطالب عبير موسى بالحرية في دولة ديمقراطية ولا يمكن كذلك تُلوّح بل وتُهدّد بالطّعن في الانتخابات، وكأنّها أتتْ بالمستحيل، والحال أن القانون يكفل لها ذلك، بل تم ذلك في جميع الانتخابات التي تلت الثورة، وتيسر للجميع الطعن في نتائج فصل فيها القضاء قبل الإعلان النتائج النهائية، لكن يبدو أنّ عبير موسى لا تستطيعُ تشرّب ذلك أو تقبّله، لكونها مسكونة بعقل استبدادي يحجّر عليها استيعاب الدّروس من الديمقراطية التي لم تعرفها في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.