فجّر الجدل الدّائر صلب مكوّنات الجبهة الشعبية وتحديدا بين القياديين حمّة الهمامي ومنجي الرحوي تساؤلات حول طبيعة هذا الائتلاف الذي لطالما تحدّث عن الديمقراطية ودافع عن مبادئها، بل دعا الشعب في أكثر من مناسبة للنزول إلى الشارع والاحتجاج دفاعا عن خياراته، إلا أننا تفاجأنا بكون أن هذا الائتلاف والذي ادّعى في مناسبات كثيرة تمسكه بالديمقراطية لا يطبّقها في دوائره الداخلية بل يرفض الامتثال لها ويصفها “بالعبثيّة”، وهو ما بدا جليا بعد الأزمة التي فجرها ترشيح حمة الهمامي لرئاسة الجمهورية دون اخذ الموافقة الكاملة من قبل كلّ مكوناتها. وكشفت التطورات الأخيرة ومن ورائها التغييب الكلّي لآليات الديمقراطية صلب الائتلاف اليساري عن وجود مشكلة داخل الجبهة الشعبية، وأنها لم تعد بالتماسك الذي عرفته من قبل، ولا بالقدرة على احتواء المشاكل والخلافات خلف أبوابها المغلقة. كشف ذلك، ما أقدم عليه حزب الوطنيين الديمقراطيين حين أعلن عن الرحوي مرشحه للرئاسيات دون استشارة زعيم الجبهة حمّة الهمامي ما أدخل التحالف اليساري في حالة تخبط ظهرت بالكاشف للعيان وفضحت من ورائها النزعة البيروقراطية التي تسير هذا الائتلاف وكأننا أمام نظام استبدادي مصغرّ. ورغم أن حزب القطب وهو أحد مكونات الجبهة الشعبية دعا إلى إجراء انتخابات داخلية للفصل بين المرشحين إلا أن دعوته قُوبلت بالتجاهل، بل إنّ القيادي في الجبهة الشعبية زهير حمدي، وصف اقتراح حزب الوطد إجراء استفتاء لاختيار مرشح للانتخابات الرئاسية “بالعبثي”. ودون الرّجوع لكلّ مكوناتها، أعلن ائتلاف الجبهة الشعبية، يوم أمس الأربعاء، ترشيح الناطق الرسمي له، حمة الهمامي، لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. وأوضحت الجبهة، في بيانها، أن “اجتماع الأمناء العامين هو الإطار المخول رسميا للبت في آلية الحسم في اختيار مرشح الجبهة في الانتخابات الرئاسية القادمة بناء على تفويض رسمي في الغرض من قبل المجلس المركزي للجبهة”. في المقابل، لم تتضمن قائمة الأحزاب الموافقة على الهمامي في البيان حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد الذي اعترض على “آلية الحسم” في اختيار المرشح وطالب بدلا من ذلك “بآلية جماهيرية” واستشارة موسعة لأنصار الجبهة. واعتبر حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد في بيان أنّ إعلان بعص أحزاب الجبهة عن مرشح للانتخابات الرئاسية دون توافق جميع مكوناتها يفقد هذا المرشح إجماع عموم مناضلي الجبهة وأنصارها. وعلّق الأمين العام زياد لخضر لحزب الوطد على المسألة بقوله “إنّ ترشيح الرحوي يسمح للجبهة بأن تكون ورشة للتفكير وللنقاش العميق دفاعاً على تونس وشعبها ومطالب ثورته، وسط تقديرات مختلفة داخل صفوفها، وتنافس على قاعدة القدرة والكفاءات وما يُطرح من خيارات. مشيراً إلى أن حمة الهمامي مناضل له تاريخه، لكن من حق كل الأعضاء في الجبهة التداول على المواقع والمناصب. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتصرف فيها القيادي حمة الهمامي ببيروقراطية وعقلية زعامتية متفرّدة بالرأي، حيث اتُّهم الأمين العام لحزب العمال حمّة الهمامي بتغييب أساليب الديمقراطية في إدارة حزبه وكان ذلك في المؤتمر الخامس لحزب العمال الذي عُقد بالحمامات في ديسمبر الماضي، ما أفضى إلى استقالة 146 قياديا وطنيا وجهويا من الحزب