إنتقل الصراع بين مكونات الجبهة الشعبية من معطى داخلي يبدأ وينتهي داخل مؤسساتها ،إلى «نيران صديقة» بين قياداتها وحرب كلامية تُهدّد بانقسامها في الأمتار الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية . تونس -الشروق قرّرت الجبهة الشعبية ترشيح ناطقها الرسمي حمّة الهمامي للانتخابات الرئاسية القادمة ،وأصدرت الجبهة بيانا أكّدت فيه أن الأمناء العامين للأحزاب المشكلة للجبهة هم المخولون رسميا للبت في آلية الحسم في اختيار مرشح الجبهة في الانتخابات الرئاسية بناء على تفويض رسمي في الغرض من قبل المجلس المركزي للجبهة الشعبية بتاريخ 5 مارس 2019 .بيان الجبهة الشعبية وقّعه حزب العمال والتيار الشعبي ورابطة اليسار العمالي وحزب الطليعة العربي الديمقراطي وحركة البعث وحزب الوطد الاشتراكي والحزب الشعبي للحرية والتقدم ، وهو بمثابة الرّد على بيان الوطد الموحّد الذي دعا الى ترشيح نائب البرلمان والقيادي في الجبهة الشعبية منجي الرحوي الى الانتخابات الرئاسية. بيان استباقي الوطد الموحّد اقترح منذ أسابيع دعم الجبهة الشعبية لمنجي الرحوي في هذا الاستحقاق الانتخابي، واستبق الموقف الرسمي للجبهة الشعبية بعد أن بدأت مؤشرات ترشيح حمة الهمامي في البروز، ويأتي موقف الوطد الموحّد في انسجام واضح مع مواقف قياداته منذ فترة حيث طالبوا بضرورة تجديد واجهة الجبهة الشعبية مؤكّدين أن الجبهة إن دخلت الانتخابات القادمة بنفس الملامح الحالية فلن تستطيع تحقيق نتائج تُذكر. البيانات الرسمية التي صدرت عن الجبهة الشعبية وعن الوطد الموحّد أخرجت للعلن الخلافات الداخلية التي تعتمل منذ فترة صلب الجبهة ، مدعومة بتصريحات نارية مثّلت نيرانا صديقة بين قياداتها وهو ما يوحي بإمكانية تطوّر المواجهة و ارتفاع نسقها في الفترة القادمة وفي الأمتار الأخيرة قبل تشكيل القائمات الانتخابية لخوض الانتخابات التشريعية. مؤتمر حزب العمال ما يحدث داخل الجبهة الشعبية حاليّا مهّدت له مؤشرات أخرى على رأسها ما حدث صلب حزب العمّال في مؤتمره الأخير ، حيث جرت أشغال المؤتمر بالتوازي مع اصدار عدد من قيادات الحزب عريضة مقاطعة ،منددين بما اسموه «ديكتاتورية القيادة الحالية».العريضة تضمنت 128 توقيعا لعدد من القيادات منهم أسماء بارزة مثل نائب مجلس نواب الشعب ,عبد المؤمن بالعانس ونجوى الرزقي وعبد الجبار المدوري وكافي بن منصور وحبيب التليلي. واعتبر الموقعون على العريضة ان قيادة الحزب الحالية « تمادت في النهج البيروقراطي ورفضت فتح نقاش جدي من أجل النهوض بأوضاع الحزب المترديّة وتعميم النقاش ليشمل جميع المناضلات والمناضلين دون إقصاء» . أزمة حزب العمّال تسرّبت الى الجبهة الشعبية بنفس الملامح ونفس الرهانات ، فالرافضون لبقاء حمة الهمامي على رأس حزب العمّال والمطالبون بضرورة تغيير واجهة الحزب ،من داخل حزب العمّال ، يتقاسمون نفس المقاربة مع قيادات حزب الوطد الموحّد الرافضين لبقاء حمة الهمامي على رأس الجبهة الشعبية و ترشيحه مرة أخرى للانتخابات الرئاسية. المقاربة القائلة بضرورة المراهنة على شخصيات أخرى وتجديد ملامح الجبهة الشعبية تعتمد على حجج واقعية أهمها تغيّر ملامح معظم الأحزاب في تونس بعد سنة 2011 والتداول على قيادتها في حين يبقى حمة الهمامي من أكبر الشخصيات بقاء في مركز القيادة فمنذ تأسيس حزب العمال الشيوعي في أواسط الثمانينات على أنقاض منظمة العامل اليسارية المحظورة ، إلى غاية تأسيس الجبهة الشعبية في أكتوبر 2012 بقي حمة الهمامي في الواجهة ولم يغادرها . أما القائلون بضرورة الدفع في سياق إعادة ترشيح حمّة الهمامي لسباق الرئاسيات فيؤكدون على رمزية حمة الهمامي في اليسار التونسي وتاريخه النضالي الذي راكمه منذ الفترة البورقيبية ، لكن هذه المقولة بدأت حُججها تتاكل تدريجيّا بسبب حالة التململ التي يعيشها عدد من قيادات حزب العمال والجبهة الشعبية ،الذين انتقلوا من مرحلة إكبار نضالات حمة الهمامي الى مرحلة اتهامه بالدكتاتورية . الوطد الموحد يرد أصدر حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد، أمس الأربعاء 20 مارس 2019، بيانا علّق فيه على قرار بقية أحزاب الجبهة الشعبية اختيار حمة الهمامي كمرشح للانتخابات الرئاسية. وقال حزب الوطد، في نص البيان إنّ "إعلان بعض أحزاب الجبهة عن مرشح للانتخابات الرئاسية دون توافق جميع مكوناتها يفقد هذا المرشح إجماع عموم مناضلي الجبهة وانصارها". كما عبرّ، في ذات البيان عن تمسّكه بوحدة الجبهة الشعبية اطارا لخوض المعارك السياسية القادمة. ودعا الحزب، كل مكونات الجبهة إلى الشروع في مناقشة قائماتها للانتخابات التشريعية وإلى الانكباب على الإعداد الجيد مركزيا وجهويا لعقد الندوة الوطنية الرابعة. وكان حزب "الوطد" ، قد اقترح ترشيح النائب منجي الرحوي للانتخابات الرئاسية بدل حمة الهمامي.