أُسدل السّتار على أول قمّة عربيّة احتضنتها بعد ثورة 14 جانفي، والقمة التي مرت ليست كغيرها من القمم السابقة، نظرا لطبيعة الظرف والتطورات الساخنة إقليميّا ولكونها ستُمثّل انعكاسًا لصورة تونس في المنطقة العربية، بصفتها الأرضية العربية الوحيدة التي استطاعت احتواء الثورة والحفاظ على استمراريتها، وبالتالي فإن القمة كانت بمثابة اختبار تونس أمام ممثلي الدول العربية الذين جاؤوا أيضا لمعاينة حصيلة وثمار ربيع تونس. بإمكاننا استنتاج التقييم أوّلا من خلال ما قيل عن تونس في الصحف الالكترونية العربية، وبإمكاننا رصده كذلك من خلال المستوى التنظيمي واللوجستي والامني الذي أحاط بالقمة، حيث أجمع الخبراء على نجاح هذه القمة من حيث الشكل في علاقة بالتنظيم، والحضور السياسي للقادة والزعماء العرب، ومن حيث المضمون، الذي عكسته مُخرجاتها في البيان الختامي، الذي حمل اسم “إعلان تونس”. ويؤكد المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي في هذا السياق أن تونس استطاع كبلدٍ مضيف تحقيق نجاح ربما أكثر مما كان يتوقعه التونسيون أنفسهم، ويضيف الكاتب في مقال له على موقع العربي الجديد يحمل عنوان “القمّة العربية.. مكاسب رمزية لتونس” أن تونس كانت المستفيد الرئيسي من هذه القمة، ليس بسبب القرارات التي صدرت، وإنّما لنجاحها في جمع 13 قائداً عربياً في مرحلة انهار فيها النظام الإقليمي السابق، وعادت فيه سياسة المحاور بقوة، وتعددت الملفات الساخنة التي انقسمت حولها الأنظمة، واندلعت خلال السنوات الست الماضية أكثر من حرب ونزاع مسلح. ولذلك اعتبر الجورشي أنّ اجتماع كل هؤلاء المتخاصمين داخل قاعة واحدة في تونس، واستماعهم لبعضهم من دون مشاحنات أو توترات، مكسبا رمزيا لا يمكن التقليل من شأنه في هذه المرحلة الدقيقة والخطرة. وتقول صحيفة العرب اللندنية في حديثها عن قمة تونس، أن قمّة “العزم والتضامن” نجحت بفضل جميع مكونات المجتمع التونسي، والتونسيون جنوا ثمار ثورة لم ترق فيها الدماء.. هذا أعظم إنجاز وأعظم نجاح، حتى وإن سال حبر البيان الختامي على الورق دون فائدة. وتضيف ذات الصحيفة إنّ” الأصوات التي خرجت من كل جهة تنتقد بعض ضيوف القمة، لم تقلق ريس الجمهورية الباجي قايد السبسي، فالبلد الذي لا تسمع فيه أصوات المعارضة هو بلد مكمم الأفواه.. والأفواه في تونس ليست مكممة.. ما يعجب فلان من الناس، قد لا يعجب الآخر، وهذا حق مصان في تونس.” وتنظيم القمة في تونس، وضع البلد امام مسؤولية ثانية لا تقل أهمية على مستوى التنظيم والاستقبال، مسؤولية متعلقة بالرهان على المؤسسة الأمنية التي وضعت امام تحدّي يتعلق بتامين استقبال 13 قائدا عربيا مرفوقين بمئات الوفود، فنجاح تونس في تنظيم هذه القمة في هذا الظرف الدقيق كان بمثابة شهادة نجاح على تعافي المؤسسّة الأمني. وفي هذا الإطار تقدّم وزير الداخلية هشام الفراتي ببرقية شكر وتقدير لكافة قوات الأمن الداخلي بمختلف أسلاكها واختصاصاتها على المجهودات المبذولة. ونوّه بما تحلت به جميع الإطارات والرتباء والأعوان من تضحية وانضباط ومُثمّنا تشبّثهم بروح البذل والعطاء لإنجاح هذا الاجتماع الهام، مُهيبا بالجميع للمضي قُدما للمحافظة على هذا المكسب حتى تكون المؤسسة الأمنية دائما في مستوى الثقة العالية في خدمة الوطن والمواطن، وفق ما جاء في بلاغ لوزارة الداخلية. إذن عادت الوفود الرسمية العربية والدولية وكذلك المئات من الإعلاميين بانطباع إيجابي عن تونس ومما لا شكّ فيه أن تونس نجحت في الاختبار العربي بشهادة تعادل الحسن وأكثر، ولم يفوت وزير السياحة روني الطرابلسي في سياق هذا النجاح الشرفي توقيع اتفاق مع رئيس المنظمة العربية للسياحة بندر بن فهد آل فهيد يقرّ بمقتضاه أن تونس ستكون عاصمة للمصائف العربية سنة 2020. وتُعد هذه القمة الثالثة في تونس، حيث احتضنت سابقًا قمتين عربيتين وذلك في سنتي 1979 (القمة العاشرة) و2004 (القمة 16). وتوزعت بقية القمم على مصر والمغرب والجزائر والأردن والعراق والعربية السعودية والسودان وقطر ولبنان وسوريا والكويت وموريتانيا وليبيا. وتم عقد 28 قمة عادية و9 قمم طارئة و3 قمم اقتصادية منذ تأسست جامعة الدول العربية سنة 1945، وتم تولي رئاسة الأمانة العامة للجامعة العربية 8 أمناء عامين حتى الآن.