ما زال الوزير السابق لأملاك الدولة والشؤون العقارية مبروك كرشيد يثير الاهتمام بسبب مواقفه التي يعلن عنها وتصل إلى حدّ التناقض وكذلك حجم الاتهامات التي توجّه له من قبل طيف واسع من السياسيين وحتى من داخل مؤسسات الدولة. كورشيد ظهر بعد الثورة خلال نيابته في قضايا حسّاسة جدا شغلت الرأي العام وبقيت لغزا طيلة عقود، حيث تقدّم بقضية في البداية ضد الباجي قائد السبسي متهما إيّاه بتعذيب “اليوسفيين” عندما كان وزيرا للداخلية، واعتبر أن السبسي هو المسؤول المباشر عن تعذيب مناضلي الحركة اليوسفية البورقيبية أثناء توليه وزارة الداخلية آنذاك. وقال كرشيد ” كل علاقتي بضحايا تلك الفترة هي إنصاف تاريخي لتلك الفترة وعلى الباجي القايد السبسي أن يتعامل بجدية مع هذا الملف “مضيفا ” ان ارتكب أخطاء فعليه تحمل المسؤولية”. وفي 2012، ناب كرشيد رئيس الحكومة الليبي السابق البغدادي المحمودي بعد أن سلّمته تونس للسلطات الليبية ووجه عديد التهم آنذاك لحكومة الترويكا ليدخل في صراع سياسي وحقوقي مع أحزاب الترويكا بما أنّه كان قياديا في حركة الشعب قبل أن يغادرها في تلك الفترة. وفي انتخابات 2014، أعلن كرشيد تأييده للباجي قائد السبسي وخالف حركة الشعب في هذا التوجّه وتناغم مع بعض الأحزاب الأخرى التي دعت إلى قطع الطريق أمام المنصف المرزوقي ليثير الكثير من الجدل بسبب تحالفه مع السبسي الذي كان غريمه المتهم بتعذيب اليوسفيين القوميين. تقارب كرشيد مع السبسي لم يقف عند هذا الحدّ، فقد تم تعيينه في 27 أوت 2016، كاتبا للدولة مكلّفا بأملاك الدولة ثم وزيرا في 12 سبتمبر 2017 قبل أن يكلّفه السبسي في 26 نوفمبر 2018 بمتابعة الدعوى القضائية التي رفعها الأمين العام لحركة نداء تونس السابق، سليم الرياحي، لدى القضاء العسكري حول التخطيط للانقلاب على رئيس الجمهورية واتهم فيها رئيس الحكومة ومدير الديوان الرئاسي السابق. غادر كرشيد الحكومة في 14 نوفمبر الفارط مثقلا بعديد الاتهامات والانتقادات خاصة مع أكثر من طرف تتقدّمهم هيئة الحقيقة والكرامة التي اتهمت كرشيد بتعطيل مسار العدالة الانتقالية وخاصة بمنع المكلف العام بنزاعات الدولة من حضور جلسات المصالحة مع رجال الاعمال المتورطين. واتهمت الهيئة كرشيد بتفويت اكثر من 700 مليار على الدولة بسبب موقفه من هيئة الحقيقة والكرامة بينما يعتبر كرشيد هيئة الحقيقة والكرامة لا تتناسب مع المظالم التي شهدتها تونس. كرشيد وجه سهامه ضد عديد الأطراف وفي مقدمتها حركة النهضة خاصة بعد تصريح رئيس الحركة والذي أكّد ان التعديل الوزاري في نوفمبر الفارط وقع خلاله التخلي عن الوزراء الفاسدين، وهو ما أثار ثائرة كرشيد الذي وجّه عديد الاتهامات للحركة حيث اتهمها في لقاء إذاعي ب”التأسيس لأفكار تقسيم البلاد” من خلال ما وضعته في دستور سنة 2014 الذي وصفه ب”الفاشل” وعبر هيئة الحقيقة والكرامة. وقال كرشيد، إن الشعب التونسي بات مقسما بسبب “الأفكار الخطيرة التي روجت لها حركة النهضة” عبر تقسيم البلاد إلى جنوب وشمال تحت راية ما يسمى بالتمييز الإيجابي، مشددا في هذا الإطار على أن المناطق المفقرة موجودة في كافة جهات البلاد من شمالها إلى جنوبها. كرشيد أطلق انتقاداته نحو حزب التيار وخاصة القيادية سامية عبّو والذي قال إنّها لا تجلب الاحترام واتهمها بتكوين عصابة مفسدين من أجل الاعتداء على الأشخاص والثلب والتهديد بما يوجب عقابا جنائيا ونسبة أمور غير حقيقية لموظف عمومي حال مباشرة وظيفته. يبدو ان كرشيد الذي غادر حركة الشعب في 2012 وتخلى عن بعض مواقفه القومية واقترب من الاحزاب اليمينية البراغماتية في تونس بات قريبا من الالتحاق من أحد هذه الأحزاب، خاصة وأنه لم ينف قربه من النداء أو “تحيا تونس”، وذلك بعد دعوته للقوى الوطنية إلى التجمع ضمن جبهة موحدة لخوض الانتخابات القادمة، مشددا على ضرورة تحمّل كلٍّ من الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد لمسؤولية إعادة تجميع هذه القوى وتوحيدها من جديد، في إشارة إلى حركة نداء تونس، وتحيا تونس ومشروع تونس.