اتسعت الهوّة بين فئات المجتمع التونسي وتعمّقت الفجوة خاصّة بين متساكني الأرياف التونسية الذين يعانون الفقر والحيف والتهميش وبين متساكني المناطق الحضرية الذين وان تعدّدت اشكاليتهم فإن وضعيتهم أحسن بكثير. وقد أثبتت احصائيات أن “ثلاثة أرباع الفقراء في تونس يقطنون بالأرياف، وجلهم لا يستطيعون بسبب العوز الذي يعانون منه إبلاغ أصواتهم للسلطات للمطالبة بإيجاد حلول لمشاكلهم”. وتلخّص الصورة المصاحبة للتقرير الفرق بين الضفتين، فتظهر السياسيات والوزيرات والاعلاميات وسيدات الأعمال وغيرهن اللاتي يدافعن على حقوق المرأة الريفية ويستعملنها في الحملات الانتخابية والدعاية الإعلامية في برجهن العاجي وفي قصورهن المشيّدة، فيما تظهر الكادحات متجهات إلى الحقول للعمل في شاحنات الموت التي أودت بحياة الكثير منهن. وقد لقيت 12 عاملة في المجال الفلاحي حتفهنّ فجر اليوم وأصيبت 20 عاملة في حادث اصطدام شاحنتين إحداهما تنقل كمية من الدجاج والأخرى تقلّ العاملات بولاية سيدي بوزيد وقد تم نقل 11 جثة إلى مستشفى السبالة وجثة إلى المستشفى الجهوي مع تسخير 5 سيارات إسعاف بالإضافة إلى سيارات الحماية المدنية لنقل المصابات. ولا يعتبر هذا الحادث فريد من نوعه فقد أصيبت فجر يوم أمس 9 عاملات فلاحيات في حادث انقلاب شاحنة خفيفة تتراوح اعمارهم مابين 16 و56 سنة. حوادث أصبحت شبه يومية دون أن تحرّك الهات والسلط المعنية ساكنا لإيقاف الجريمة التي ترتكب في حق كادحات البلاد. ورغم تأكيد وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن أن التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء في المناطق الريفية يندرج ضمن توجهات وأولويات الحكومة التي تعمل على وضع وتنفيذ منوال تنموي متكامل يهدف إلى إدماج هذه الفئة الهشة في العملية التنموية، فإن الواقع الذي نعيشه والحوادث المتكررة التي تضرّرت منها المرأة الريفية تشير إلى أن الإجراءات المتخذة بقيت حبرا على ورق ولم يتم السهر على تطبيقها. فهل أن الحل يقتصر على ندوة حول المراة الريفية في أفخر النزل؟ وللاشارة تمثل الفلاحات في تونس نحو 43 بالمائة من النساء الناشطات في المناطق الريفية، اي حوالي 500 الف شخص، وتعاني هذه الشريحة من طول ساعات العمل التي تمتد من الساعة الرابعة صباحا الى الخامسة مساء وهو ما يتجاوز ساعات العمل المعمول بها بكثير الشيء الذي يساهم في تعزيز مأساتهن، كما تعاني كادحات تونس من التمييز في الأجر بينها وبين الرجل كما أن العمل في الحقول والبساتين يعرّضهم إلى شتى أنواع الأمراض الجلدية وغيرها بسبب المبيدات الحشرية الفلاحية، أو بعض الأدوية المستعملة في الحقول.