في الوقت الذي انتشر فيه الهلع لدى البشر في شتى اصقاع العالم بسبب فيروس كورونا، إلاّ أن الأخير كانت له تأثيرات إيجابية على كوكب الأرض الذي استعاد أنفاسه بعد عقود من التلوث الذي سببه البشر. وفرض تفشّى فيروس كورونا حظرًا عامًا على الناس فى مختلف دول العالم، حيث قلت الكثافات فى الشوارع، وتقلص عدد السيارات وأغلقت بعض المصانع المتسببة في انتشار الهواء الملوث، الأمر الذي أعاد الحياة للأرض والنقاء للهواء والمساحات الخضراء للطيور والحيوانات التي وجدت في انسحاب البشر فرصة للخروج من مخابئها . وخلال النصف الثاني من شهر مارس الماضي، اختفى ربع الانبعاثات الحرارية فوق الصين مع توقف حركة السيارات والشاحنات ومحطات توليد الطاقة والمصانع. وعلق فاي ليو وهو باحث في جودة الهواء في محطة ناسا للفضاء بالقول: “هذه أول مرة أرى فيها هذا الانخفاض الدرامي فوق منطقة بهذا الحجم الشاسع بسبب حدث محدد”. الأمر نفسه ينطبق على كاليفورنيا المعروفة بنسب تلوث هواء عالية للغاية حيث انخفض تلوث الهواء بصورة ملحوظة، بحسب تقرير لموقع كوارتز الأمريكي عنوانه: “فيروس كورونا خفّض من الانبعاثات الحرارية عالمياً، لكن هل يستمر ذلك؟” ويتوقع رئيس شبكة من العلماء تقدم بيانات عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أن تنخفض هذه الانبعاثات بأكبر قدر منذ الحرب العالمية الثانية هذا العام، بعدما أدى تفشي فيروس كورونا إلى توقف النشاط الاقتصادي تقريباً. وقال روب جاكسون، الذي يرأس مشروع الكربون العالمي الذي يقدم تقديرات سنوية لحجم الانبعاثات، إن إنتاج الكربون قد ينخفض بأكثر من 5% على أساس سنوي وهو أول انخفاض منذ أن تراجع بنسبة 1.4% بعد الأزمة المالية في عام 2008. وأضاف أستاذ علوم نظم الأرض بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا لرويترز: “لن أندهش من رؤية انخفاض بنسبة 5% أو أكثر في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون هذا العام وهو شيء لم نشهده منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”. ثم أكد أن الانبعاثات لم تنخفض بهذا الشكل خلال الخمسين عاماً الماضية، وتابع: “لا أعتقد أن سقوط الاتحاد السوفييتي ولا أزمات النفط أو المدخرات أو القروض المختلفة خلال الخمسين سنة الماضية قد أثرت على الانبعاثات كما تؤثر هذه الأزمة”. وشهر مارس الماضي أظهرت صور الأقمار الصناعية انخفاضا ملحوظا في نسبة ثاني أكسيد النيتروجين في أجواء مدن صناعية كبيرة في أوروبا مثل بروكسل وباريس ومدريد وميلانو وفرانكفورت، خلال الفترة بين 5 و25 مارس مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ويؤكد خبراء أن منطقة شمال ايطاليا والتي تعد من اكثر المناطق تضرّرا بالوباء على مستوى العالم يتصادف كونها واحدة من أهم المناطق الصناعية في إيطاليا وأوروبا كلها، وقد جعلتها الانبعاثات الضارة من مصانعها واحدة من أكبر مراكز التلوث في القارة. إلاّ أنه منذ فرضت الحكومة الإيطالية الحظر الصحي العام في 9 مارس، انخفضت نسبة ثاني أكسيد النيتروجين في أجواء ميلانو وشمال إيطاليا بوجه عام بنسبة 40%. وبحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية”، يعتقد الأستاذ المتخصص بدراسات تلوث الهواء بجامعة ليستر البريطانية بول مونكس أن انخفاض معدلات الغازات والمواد الملوثة للهواء بفعل إجراءات الحظر وتقييد الحركة في المدن الصناعية الكبرى قد ينقذ عشرات الآلاف من الأرواح التي تُفقد سنويًا بسبب التلوث، وإن كان من المستبعد بالطبع أن ينقذ انخفاض التلوث عددًا من الأرواح أكبر من تلك التي سيحصدها وباء كورونا.