تفصلنا أيام معدودة عن حلول شهر رمضان المبارك، شهر له مذاق وطعم خاص اعتاد فيه التونسيون الاستمتاع بأجواء روحانية وعائلية مميزة وممارسة عادات وعبادات تضفي نكهة على هذا الشهر المعظم. وينطلق الاستعداد لاستقبال الشهر الكريم بضعة أيام قبل حلوله، فتلاحظ على غير المعتاد حركية نشيطة بالأسواق والمحلات التجارية وإقبالا مكثفا على اقتناء أنواع مختلفة من المواد الغذائية لتزيين موائد الإفطار والسهرات والسحور بأطباق شعبية تقليدية، لطالما ارتبطت بشهر رمضان على غرار “الشربة والبريك والزلابيا والمسفوف وغيرها”. حركة استثنائية لا تهدا ليلا ولا نهارا، إلا بحلول عيد الفطر الذي يحمل بدوره تقاليده الخاصة، فإضافة إلى التسوق اليومي يكون التونسيون طيلة الشهر، على موعد بعد الإفطار مع إحياء السنن النبوية والسهرات الرمضانية والأنشطة الثقافية والاجتماعات العائلية والاحتفالات الموسمية، على غرار حفلات الخطوبة للشباب المقبلين على الزواج وحفلات الختان وغيرهم من الحفلات التي تقام عادة، إما في منتصف شهر رمضان أو في ليلة السابع والعشرين. إحياء السنن النبوية والأجواء الروحانية يمثل شهر رمضان مناسبة محفزة لتجديد التوبة والعهد مع الله فيسارع أغلب الشعب التونسي إلى الالتزام بالعبادات وأداء الصلوات الخمس المفروضة وإحياء السنن النبوية من خلال المواظبة على أداء صلاة التراويح بالمساجد فتمتلئ بيوت الرحمان بكامل ولايات الجمهورية بروادها الذين لا تسعهم قاعاتها ويفترشون الساحات المجاورة لها فينتصتون إلى القران الكريم والخطب الدينية التي تقام في انتظار حلول موعدي صلاة العشاء وصلاة التراويح. وعلاوة على ارتياد بيوت الله فإن شهر رمضان يوقظ لدى التونسي حسّ التكافل الاجتماعي فتقام موائد الرحمان لإفطار المحتاجين والمساكين كما تسعى العائلات التونسية إلى إطعام المساكين والتكفل بالسائل والجار المحتاج علاوة على جمع تبرعات لختان أبناء العائلات المعوزة ومساعدتا على اقتناء ثياب العيد لأطفالها. المقاهي الشعبية والسهرات الرمضانية تحتل المقاهي مكانة مميزة لدى الرجل التونسي في شهر رمضان خاصة بالنسبة إلى المدخنين أو مدمني القهوة السوداء. فبعيد الإفطار بنحو ساعة أو أقل ترى المقاهي بالإحياء الشعبية تعج بالحرفاء الذين يسارعون لسجائرهم واحتساء القهوة والشاي بعد ساعات طويلة من الصوم، فيما تتراوح سهرات النسوة بين الاجتماعات العائلية في المنازل أمام شاشات التلفاز أو في قاعات الشاي بعد طول صوم وتعب مظن في إعداد وجبة الإفطار. وللسهرات الرمضانية نصيب في عادات التونسي فخلال النصف الثاني من شهر رمضان تشهد المدن الكبرى أنشطة ثقافية تفتح المجال أمام عشاق السهر إلى قضاء السهرة حتى موعد الإمساك ويستحوذ مهرجان المدينة على النصيب الأوفر من هذه الشريحة. رمضان زمن الكورونا كثيرة هي العادات التي ترافق شهر الغفران بتونس والتي دأب عليها التونسيون، كل حسب جهته، وحسب إمكانياته. فكيف يستقبل التونسيون هذه السنة شهر رمضان في ظل جائحة كورونا وإجراءات الحجر الصحي العام وحظر الجولان؟ علاقة وطيدة تربط بين شهر رمضان والتجمعات في تونس. فالعبادات والعادات والاحتفالات في هذا الشهر على ارتباط وثيق بالتجمع والتقارب الاجتماعي وهو ما يتعارض مع مبادئ حفظ الصحة في الفترة الراهنة والتي تقتضي تجنب الاحتكاك بالآخر لمنع انتقال فيروس كورونا وسرعة انتشاره. وقد أقر ديوان الإفتاء للجمهوريّة أداء صلاة التراويح وصلاة العيد بالبيت، مؤكدا أنّ “جمهور الفقهاء ذهبوا إلى أنّ صلاة التراويح في جماعة سُنّة وليست فريضة، بالنظر لأنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام، جمع الناس عليها عدّة ليالٍ ولم يخرج إليهم في باقي الليالي مخافة أن تُفرَض عليهم”. كما قررت الحكومة الإبقاء على حظر الجولان والتمديد في الحجر الصحي العام إلى غاية 3 ماي 2020 على أن يتم الانطلاق في تطبيق الحجر الموجّه بداية من يوم 4 ماي المقبل. وتبعا لذلك على التونسيين إلغاء كل مظاهر الاحتفاء الجماعي بهذا الشهر الكريم، في الفضاء العام، وملازمة منازلهم حفاظا على صحة الجميع.