لكلّ منطقة تقاليدها وعاداتها في الاستعداد لشهر رمضان وكما يقال «كل بلاد وأرطالها» ومدينة الكاف من المدن التي لها تاريخ عريق وتقاليد في الاحتفال بشهر رمضان مازالت راسخة في الذاكرة الشعبية إلى اليوم. لاسترجاع ذكريات الماضي كان لنا لقاء في وقت سابق مع العم رشيد بوعلاق الذي حدثنا عن رمضان زمان في الكاف.
الإفطار ومدفع رمضان
الأيام الأولى في رمضان يكون الناس في هدوء تام تجنبا للنرفزة وخاصة الذين لا يصبرون على التدخين والشاي والقهوة حتى أنه قال الذي لم يقدر على كبح جماح نفسه «صام نهار في رمضان قال قداش فيه» ومنذ اليوم الأول يكون السوق حافلا بجميع أنواع الخضر والغلال والحلويات وكل تاجر يمدح بضاعته: حار وحلو يالي تقلي، فاح البرمة بصل، هاو التفاح إلّي يفوح ويرد الروح، هذه لحمة عجل يرضع، علوش حليب... أما في الجوامع فتقام دروس دينية للوعظ والإرشاد ويقرأ القرآن قبل غروب الشمس يتجمع الأطفال حول المدفع فقديما لم يكن هناك فوانيس فوق المآذن كما هو الحال الآن للإعلان عن الإفطار فكان يرفع علم أبيض في أعلى الصومعة فيسارع القائم على المدفع بإطلاق النار في الفضاء معلنا عن بداية الإفطار.
على مائدة الإفطار تكون الأكلات متنوعة «وكل قدير وقدرو» فالبداية تكون بالبسيسة أو الدقلة والحليب أو حتى شربة ماء ثم أكلة جارية إما شربة مرمز أو فريك أو حلالم أو برغل أو حساء أو صدر.. ثم الطبق الرئيسي وهو متنوع كمرقة خضرة والطاجين وخاصة المعروف بطاجين «بونارين» وهذا يحضر بوضع الخليط في وعاء من الفخار ويوضع على الكانون المليء بالفحم ويغطى ثم يوضع فوقه أيضا الفحم إلى غير ذلك من الأكلات أم الغلال فتكون حسب الفصول وتختتم بقهوة عربي.
بعد تناول وجبة الإفطار والاستراحة قليلا يخرج الرجال إلى الجوامع لأداء صلاة التراويح ويكون قد سبقهم الأطفال الصغار حيث يقرؤون كل ليلة حزب من القرآن ما بين المغرب والعشاء بعد الصلاة يعود البعض إلى منازلهم للسهر مع العائلة في سهرة عائلية مع «البوزة» والكريمة والشاي والبعض يذهب إلى المقهى حيث توجد سهرات الفداوي والبعض الآخر يستقر عند الحلاق لسماع «العنترية والجازية الهلالية... وعند انتهاء السهرة غالبا ما يعود الرجال ومعهم «المخارق والزلابية».
نأتي الآن إلى السحور فقديما لم تكن هناك منبهات صوت للنهوض من النوم فكان طبال السحور ويعرف في أماكن أخرى «ببوطبيلة» فيمر بين الأنهج والأزقة معلنا عن موعد السحور الذي عادة ما يكون مسفوفا أو كسكسي بالحليب أو رفيسة روز...
ليلة 27 وباب العرش
ليلة النصف من رمضان كما هو الشأن ليلة 27 يتفكر الناس موتاهم بإخراج الأكل إلى الفقراء وتحمل «التفقيدة» إلى الخطيبة وتتمثل في مثرد من الزلابية والمخارق والإفطار يكون عادة كسكسي ويقع ختان الأطفال وتبدأ الطرق الصوفية في النشاط ويختم القرآن، وفي هذه الليلة يسهر البعض حتى الصباح طامعين في رؤية «باب العرش» وقال «إذا تحل في وجهك باب العرش أطلب المال والبنون والجنة غفران الذنوب ليك ولذرية ذريتك» وفي هذا اليوم أيضا تنطلق ربات البيوت في تحضير حلويات العيد فتنشط الأسواق والمخابز وتزداد الحركة بصفة كبيرة عند التارزي أو الخيّاط لتحضير ملابس العيد و«الصبابطي» لشراء الأحذية وكما فعل الناس عند بداية شهر رمضان يتجمعون أيضا لرؤية هلال العيد في دار الشرع... ويطلق ثلاث طلقات للمدفع إيذانا برؤية هلال العيد وانتهاء شهر رمضان.