بعد تعسف بشري على البيئة دام لسنوات طوال وبعد استغلال فاحش للثروات الطبيعية تجاوز قدرة الأرض على التحمل جاء فيروس كورونا في شكل جرعة أكسجين ضخت في رئتي كوكب الأرض وتحثها على الصمود أمام استنزاف الإنسان لثرواته الطبيعية وتعديه على توازنه البيئي. ولئن تم الاتفاق على أن جرعة الأكسجين وقتية تزول بزوال إجراءات العزل والحجر الصحي فإن الطبيعة كانت في حاجة ماسة لها بعد سنوات من الإرهاق. استنزاف الموارد الطبيعية صراع الإنسان مع البيئة أزلي فقد دأب منذ القدم على تدمير وتخريب مكوناتها في سبيل تحقيق طموحه اللامتناهي لاستعمالها واستغلالها والاستفادة منها، بغض النظر عن الأضرار التي يمكن أن تلحق ببيئته الأم التي تحتويه. وأفرط الإنسان في أنانية تحول دون تفكيره في حقوق الأجيال القادمة في بيئة سليمة يأمن فيها العيش. تحسين ظروف العيش وتلبية حاجيات المجتمع والتنمية وتطوير الأنظمة الاقتصادية والتجارية أهداف منشودة شجعت الإنسان على استهلاك الموارد الطبيعية بطريقة تفوق قدرة استيعابها فانجرّ عن ذلك كوارث طبيعية تتجلى في العديد من المظاهر لعل أبرزها التغير المناخي وانقراض العديد من الأنواع البيولوجية. دخان كثيف يتصاعد من المصانع يوميا ينخر طبقة الأوزون ويلوث الهواء وسموم يتم التخلص منها في الأنهر والبحار تبيد ثروات سمكية وتلوث المياه .. اعتداءات يومية على الطبيعة لم تتمكن أعتى المنظمات البيئية من وضع حد لها أو التقليص من حدتها، فيما تمكن فيروس كويد 19 من تحقيق الأهداف البيئية بنجاعة. تداعيات كورونا الإيجابية على البيئة حتم فيروس كورونا على العالم العيش في حجر صحي لفترة غير محددة. فالمصانع متوقفة عن النشاط والمطارات والموانئ مغلقة والشوارع شبه خالية. فقد أوقف الحد من نشاط الإنسان وتقييد تحركاته نزيف التلوث الهوائي والمائي والسمعي وغيره. وقد تجلى ذلك في العديد من المظاهر فقد رصدت الأقمار الصناعية التابعة لوكالة الطيران والفضاء الأميركية “ناسا” تحسنا في جودة الهواء وانخفاضا في تلوث ثاني أكسيد النيتروجين وكذلك تراجع الضباب الدخاني في سماء العديد من المدن. كما توقعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تراجع انبعاث الكربون بنسبة 6% خلال السنة الجارية. عزل الإنسان فاستعادت الحيوانات مساحتها الطبيعية تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا صورا لحيوانات برية تمكنت من استرجاع مساحتها الطبيعية التي سلبت منها بسبب الزحف العمراني. كما غزت حيوانات برية شوارع العديد من المدن بالعالم مستغلة تقيد حركة الملايين من البشر بإجراءات التباعد الاجتماعي والعزل الصحي. وقد التقطت صور لقطعان من الأبقار والقردة تتجول في حرية تامة بشوارع الهند كما احتل الماعز الجبلي شوارع بريطانيا والذئاب شوارع أمريكا. وفسر علماء هذه الظاهرة بأن سلوك الحيوانات في البحث عن الغذاء تغير وبغياب العنصر الرئيسي من المدن وهو الإنسان اجتاحتها لاكتشاف مصادر غذاء جديدة. جرائم ارتكبت في حق البيئة زمن الكورونا وفي الوقت الذي خفت فيه الضغوط على الطبيعية وبدأت علامات تحسن الوضع البيئي، على محدوديتها، بالبروز، ابتكر الإنسان آليات أخرى لإلحاق الضرر بالثروات الطبيعية. فقد تزايدت بتونس مثلا في الآونة الأخيرة سلسلة الاعتداءات على الثروات الغابية. وفي بيان لها أعلنت وزارة البيئة عن تعمد بعض المجرمين في حق الطبيعة قطع عدد هام من أشجار الزان معمّرة وضخمة بمنطقة عين سلام من معتمدية عين دراهم بولاية جندوبة، مؤكدة أن قطع هذه الأشجار يعد تدميرا لمنظومة إيكولوجية فريدة ونادرة لا يمكن استصلاحها ولا إرجاعها إلى وضعيتها السابقة.