امتزجت مشاعر التونسيين بالفرح والخوف إبان إعلان وزارة الصحة في بلاغاتها المتعلقة بمتابعة الوضع الوبائي لفيروس كوفيد 19 بتونس عن تسجيل صفر حالة إصابة جديدة على مدى يومين متتالين و727 حالة شفاء من الفيروس ليفوق بذلك عدد حالات الشفاء عدد المصابين. فرح بتخطي الانعكاسات السلبية لكارثة صحية كادت أن تودي بحياة الآلاف من التونسيين في ظل الإمكانيات المحتشمة لوزارة الصحة وفرح بتجنب السيناريو الإيطالي والصيني والأمريكي وغيرها من الدول، والذي طالما بث الرعب في قلوب التونسيين وأفزع الكوادر الطبية التي أطلقت صيحات فزع ودقت نواقيس الخطر لحث التونسيين على معاضدة جهود الدولة في التصدي لانتشار هذا الوباء العالمي والالتزام بالحجر الصحي وقواعد حفظ الصحة. وفي المقابل ورغم الإحصائيات الإيجابية التي تبعث على التفاؤل تسللت مشاعر خوف من خسارة المعركة ضد الفيروس خلال فترة الحجر الصحي الموجه أو في الفترة التي تليها، خاصة في ظل التجاوزات التي تم رصدها مع أولى أيام التقليص من إجراءات الحجر والعزل الاجتماعي والتي تتزامن مع اقتراب حلول عيد الفطر الذي يضفي حركية مضاعفة على الأسواق بالبلاد. ولئن أشاد التونسيون بنجاح الخطة الوطنية في التصدي لانتشار فيروس كورونا واحتوائه، فإن البعض الآخر شكك في أن يكون تقلص عدد الإصابات راجع بالأساس إلى الحجر الصحي الشامل خاصة وأنه تم رصد العديد من الإخلالات والخروقات لإجراءات التباعد الاجتماعي، مشددين على ضرورة تعميق وتكثيف التحاليل المخبرية لفهم الفيروس والوقوف على الأسباب الحقيقية لضعفه للتمكن من مجابهته في صورة ظهور موجة أخرى في فصل الخريف كما هو متوقع. كورونا “النسخة التونسية” أكد مدير مركز تونس للبحوث الاستراتيجية الدكتور مختار زغدود أنه تم فهم فيروس كورونا فهما جيدا في تونس، وأن الإشكالية التي يتسبب فيها تتمثل في نقص الأكسجين بجسم الإنسان وليس قصور الرئتين عن العمل، موضحا أن الفيروس يصيب الخلايا الحمراء في الدم ويعوقها عن تبادل الأكسيجين في الرئتين. كما أشار إلى أن تكاثر الفيروس يضعف في مناخنا وتتقلص فترة عيشه إلى النصف تقريبا وحتى إن كانت درجة الحرارة التي يموت فيها هي 58 درجة فإن درجة 35 تؤثر فيه أيضا. الدكتور مختار زغدود كما شدد زغدود في حديث لموقع “الشاهد” على ضرورة استغلال قدرة مناخنا على إضعاف الفيروس ووعي المواطن ووعي الدولة على المستوى الاقتصادي، إلى جانب الوعي العلمي لتجاوز الأزمة نهائيا إلى حين اكتشاف دواء أو لقاح. الحجر الصحي الشامل ودوره أكد الدكتور مختار زغدود أن الحجر الصحي الشامل ساهم في إضعاف تفشي فيروس كورونا بالبلاد بنسبة 30 بالمائة، معتبرا أن الإجراء الأهم هو إغلاق الحدود التي كانت السبب في استيراد العدوى من الخارج والتي ساهم إغلاقها في الحد من تفشي الفيروس بنسبة 50 بالمائة، فيما آلت نسبة 20 بالمائة المتبقية إلى طبيعة الفيروس المتغيرة إلى المنحى الإيجابي ببلادنا، حيث أصبح أضعف وإمكانية عدواه تقلصت عكس ما حدث في أوروبا حيث تغير الفيروس للسلبي وصار أشد فتكا. وفي ما يتعلق بتجاوزات الحجر الصحي الشامل أكد المتحدث أن عدم الالتزام بضوابط الحجر الصحي ليست حكرا على التونسيين وأنه لا وجود لأي بلد في العالم التزم به بنسبة 100 بالمائة، مؤكدا أنه تم تطبيق الحجر في ألمانيا وفرنسا بنسبة 50 بالمائة فقط، ولولا تدخل الدولة بالخطايا والقوة العامة لفرض تطبيقه على جميع المتساكنين. كما أكد أنه تم الالتزام بشروط الحجر الصحي العام في تونس بالعديد من المناطق، فيما تم تسجيل خروق بالمناطق الشعبية لكن التسيب الذي حدث لم يكن له تأثير في العموم. الحجر الصحي الموجه وتبعاته اعتبر مدير مركز تونس للبحوث الاستراتيجية أن الحجر الصحي الموجه والخروج التدريجي من الحجر الشامل جاء في وقت مناسب علميا يخول التخفيف في إجراءات العزل لكن مع الالتزام بالوقاية وذلك من خلال استعمال الكمامات التي ستساهم في حماية مرتديها من الإصابة بالعدوى في حال وجود إصابات لا تحمل أعراضا للمرض. وأكد مختار زغدود أن 0 حالة إصابة بالفيروس التي تم تسجيلها ليومين متتاليين هي واقع وليست حقيقة مؤكدة، موضحا أن الواقع هو الإمكانيات والتحاليل والشريحة التي أخضعت للفحص وأوصلتنا لصفر حالة، لكن هناك إمكانية لوجود مئات الحالات الحاملة للعدوى موزعة بالعديد من الولايات لكنها لا تحمل أعراضا بارزة للعيان وبالتالي وجب الالتزام بارتداء الكمامات طيلة 6 أشهر على الأقل للتعرف إلى حاملي الفيروس ولتجاوز حالات الإصابة دون تسجيل أي عدوى. إمكانية ظهور حالات إصابة بعد صفريين متتالين أكد الدكتور زغدود وجود إمكانية لتسجيل بعض حالات إصابة في الأيام القادمة لا تستوجب الهلع لأنها متوقعة لكنها على الأرجح ستكون حالات متناثرة لن تعيدنا إلى ما كنا عليه إذا ما تم الالتزام بارتداء الكمامات والتقصي السريع للأماكن التي تظهر فيها بعض حالات الإصابة وحينها يتم التمكن من محاصرة الفيروس وتكون صيحاته الأخيرة. وأضاف المتحدث أن 1 بالمائة هي نسبة فرضية عودة الإصابة بالعدوى بالعشرات والمئات. وإذا حدث ذلك فإن الحل هو الرجوع للحجر الصحي الشامل لفترة معينة قائلا: “نحن حاليا في حالة كر وفر.. تسجيل 0 إصابة ليس حقيقة والحقيقة تقرب من الواقع عندما نتجاوز 15 يوما بصفر حالة. وجب الحذر التام في هذه الصائفة وعلى الحدود ووجب إخضاع كل من يدخل إلى التراب التونسي للحجر الصحي وللتحاليل المخبرية”. السياحة زمن الكورنا اعتبر مختار زغدود أن التوقيت غير مناسب للحديث عن السياحة وإلا ذهبت تضحيات الشعب والدولة ووزارة الصحة على رأسها وزيرها عبد اللطيف المكي والإطار الطبي وشبه الطبي هباءً منثورا. وأضاف أن المليارات التي ستتأتى من قطاع السياحة سنخسر أضعافها 10 مرات. كما أشار إلى أن البلاد التونسية اختارت الإفلاس على الموت وإذا ما تم استبدال السياحة بالموت فإنها ستصبح إشكالية كبرى. وأشار المتحدث إلى أن العديد من البلدان الأوروبية قطعت مع السياحة هذه السنة وأن السياح الذين سيقبلون على الوجهة التونسية يعتبروننا نجحنا في التغلب على الفيروس لكن إمكانية حملهم لكورونا عالية ومن غير المعقول استقبال أي شخص فيه شك ولو بنسبة 1 بالمائة، معتبرا أن غياب السياحة فرصة هامة لتونس للتعويل على الذات واكتشاف موارد أخرى، مذكرا بأن الفكر البشري التونسي تطور خلال الجائحة وأثبت الشباب التونسي أنهم قادرون على الخلق والابتكار. تجدر الإشارة إلى أن تونس لم تسجل لليوم الثاني على التوالي إصابات جديدة بفيروس كورونا المستجد، بعد صدور نتائج 448 تحليلا مخبريا تم إجراؤها يوم الاثنين 11 ماي الجاري، ليستقر بذلك العدد الجملي للإصابات في حدود 1032 حالة مؤكدة منذ ظهور الفيروس بتونس. وكان وزير الصحة عبد اللطيف المكي قد أكد أنه رغم الصفر الثاني على التوالي لا بد من استمرار التوقي ضمن الخطط المرسومة.