تعد النتيجة التي انتهت إليها الإطراف المتحاورة من أكثر الاختيارات خطورة لأنها تئن تحت عملية ابتزاز مكشوفة ، فجبهة الإنقاذ ممثلة في شقيها النداء والجبهة الشعبية حاولت بقوة ومنذ إسناد الأمر الى الرباعي ان تصل الى مبتغاها من خلال الحوار الحالي ومن ثم ازاحة الحكومة المنتخبة وبعث حكومة موالية تستطيع الإشراف على الانقلاب والذهاب به الى النهاية في تصفية بقايا منظومة 23 أكتوبر ، لكن الضغوط التي خضعت لها خاصة من قبل جيوش مواقع التواصل الاجتماعي وفضاءات النت ومختلف وسائل الإعلام الشعبي ، اجبرها على التقهقر والرضا بتقسيط المرحلة الأخيرة الى جزأين . لم يكن انسحاب الجبهة والنداء من التصويت على رئيس الحكومة الجديد اعتباطيا ولا لحفظ ماء الوجه كما يتوقع الكثير ، ولكن جاء بعد قراءة للوضع وتسليما لسياسة الانقلاب المتدرج ، فالرجل القادم لخلافة على العريض تحوم حوله شبهة الاستقلالية ويبدو وفق عيون الإنقاذ المبثوثة في المشهد السياسية غير مستعد لتنفيذ رغبات الانقلاب بوصفته التي اعدتها الجبهة واستحسنها النداء ، رغم انه لا يخفي ميولاته نحو المنظومة التي بعثت حركة النداء الى الوجود وعلاقته القوية بالعديد من الشخصيات المثيرة للجدل. وفق أجندة جبهة الإنقاذ فانه وإضافة الى الأمل في "تعقل" مهدي جمعة وانصياعه لفكرة الانقلاب الشامل ستعتمد الشعبية والنداء على الاسلوب القديم في التدرج وانتهاج المرحلية في الإجهاز على الشرعية ، والأكيد ان أركان جبهة الإنقاذ تملك تجربة ناجحة في ذلك فهي التي أجبرت حكومة الجبالي على الاستقالة واجبرت النهضة على التخلي عن وزارات السيادة ثم عطلت المجلس التأسيسي باعتماد الانسحاب وجلبت الرباعي من بعيد وصعدت به الى مرحلة التحكيم والوصاية وصولا الى إزاحة الترويكا من الحكومة بصفة كلية ، ولا شك ان القوى التي قررت نسف جميع المؤسسات المتخلدة بذمة استحقاق 23 أكتوبر ستعمل في المرحلة القادمة على تطويع حكومة مهدي جمعة او الضغط باتجاه تتويج مجهوداتها الماراتونية والوصول الى هدفها النهائي من خلال إزاحة الحكومة المستقلة وتنصيب حكومة الانقلاب . اليوم وبعد تثبيت وزير الصناعة المستقل على راس الحكومة القادمة هل ستواصل الإطراف التي ساعدت بقوة في إزاحة الترويكا من السلطة في الاضطلاع بمهامها السابقة وتنخرط في تدعيم جبهة الإنقاذ حين تشرع في تنفيذ الحلقة الأخيرة من الانقلاب ، وان يكن الجواب لا يدور في فلك الحسم فان الأقرب والمنطق وصيرورة الأحدث تنبئ بان الذين ساهموا في جميع فصول الانقلاب السابقة يصعب ان يتراجعوا الآن وليس من السهل أن تنوشهم يقظة وطنية متأخرة. من المرجح ان تشهد الأيام القادمة بداية التحشيد الصامت للإعداد لشوط الانقلاب الأخير ، ومن المؤكد ان أشغال الدستور وهيئة الانتخابات ستشهد حالة من التلاعب وتفريخ انواع جديدة من صنوف التعطيل، كما يترقب ان يرتخي دور الاتحاد العام التونسي للشغل كراس حربة قادت عملية إقصاء الترويكا من السلطة ، في المقابل سنشهد جنوح قوي لنداء تونس والجبهة الشعبية نحو المنظومة القضائية لاستعمالها في الإجهاز على ما تبقى من الشرعية وتثبيت الانقلاب وتقنينه ، وعلى مؤسسة الرئاسة والمجلس التاسيسي ان يستعدا لمتاعب تلوح قاسية من خلال نزول المنظومة القضائية بقوة لدعم المرحلة الأخيرة المتمثلة في إزاحة المستقلين وتنصيب الانقلابيين ، هذا اذا ما حافظ السيد مهدي جمعة على استقلاليته ولم ينحني امام مراودات الجبهة الشعبية وتحرشات النداء. ستترك جبهة الإنقاذ فسحة قصيرة من الوقت للوزير الأول الجديد ثم اذا ما استعصى واعرض عن أجندتها ستشرع في تنبيهه ثم تحذيره ثم تهديده ، وإذا ما تماسك ستحشد من اجل تجريمه ومن ثم إسقاطه. نصرالدين السويلمي