رئيس الجمهورية يؤكد ضرورة إعادة هيكلة عدد من المؤسّسات التي لا طائل من وجودها    رئيس الجمهورية يشدّد على ثوابت الدبلوماسية التونسية في استقلال قرار الدّولة وتنويع شراكاتها الاستراتيجية    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الداخلية وكاتب الدولة لدى وزير الداخلية المُكلّف بالأمن الوطني    جيش الإحتلال يعلن اغتيال قائد مدفعية "حزب الله"    بلومبيرغ: واشنطن تستعد لاحتمال توجيه ضربة لإيران خلال أيام    هجوم صاروخي كبير على تل أبيب وبئر السبع    كأس العالم للأندية 2025: الهلال السعودي يفرض التعادل على ريال مدريد الإسباني 1-1    كأس العالم للأندية 2025: يوفنتوس الإيطالي يمطر شباك العين الإماراتي بخماسية    كأس العالم للأندية: العين الإماراتي يسقط أمام يوفنتوس بخماسية    كأس العالم للأندية : هزيمة قاسية للعين الإماراتي على حساب جوفنتوس (فيديو)    كأس العالم للأندية: سالزبورغ يتصدر محموعته بفوز صعب على باتشوكا    تشكيلة العين الإماراتي ضد يوفنتوس الإيطالي    الخارجية الإيرانية.. قادرون على مواجهة العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركيا    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    بدء الموجة 13 من عمليات "الوعد الصادق 3".. إطلاق صواريخ ثقيلة    لجنة الاشراف على الجلسات العامة والمنخرطين بالنادي الافريقي - قبول القائمة الوحيدة المترشحة برئاسة محسن الطرابلسي    مصر.. الشرطة تحبط مخططا واسعا لتهريب أسلحة نارية إلى البلاد    تونس – مصر : نحو شراكة معززة في قطاع الصحة    نابل...وفاة طفلة غرقا    وزارة التعليم العالي تفتح مناظرة لانتداب 225 عاملا..التفاصيل..    اليوم انطلاق مناظرة ''النوفيام''    صندوق الضمان الاجتماعي ينفي    توجه لاستعمال الحافلات الكهربائية    فرْصَةٌ ثَانِيَةٌ    الإعلاء    سأغفو قليلا...    محمد بوحوش يكتب: عزلة الكاتب/ كتابة العزلة    الإعلان عن المتوجين بالجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    معهد باستور: تراجع مبيعات لقاح السل وتوقف بيع الأمصال ضد لسعات العقارب ولدغات الأفاعي وداء الكلب    شركة "إيني" الإيطالية تعزز استثماراتها في قطاع المحروقات بتونس    من جوان وحتّى سبتمبر 2025: الشركة التونسيّة للملاحة تبرمج 149 رحلة بحرية    الليلة: أمطار متفرقة محليا غزيرة بالشمال الشرقي والحرارة تتراوح بين 20 و29 درجة    مدير عام الامتحانات: استكمال إصلاح اختبارات البكالوريا    بنزرت: العثور على جثة طفل ملقاة على الطريق    مشاركة اكثر من 500 عارض في النسخة الاولى لمهرجان تونس للرياضة    نابل: مخاوف من تفشي مرض الجلد العقدي ببوعرقوب وإدارة الإنتاج الحيواني تؤكد تلقيح كافة القطيع مع الاستجابة المستمرة للتدخل في حالات الاشتباه    عاجل/ تقلبات جوية منتظرة: وزارة الفلاحة تحذّر مراكز تجميع الحبوب    عاجل : أنس جابر تطيح بالمصنفة الخامسة عالميًا وتتأهل لربع نهائي برلين    عاجل/ ترامب: الأسبوع المقبل سيكون حاسما..    الكاف: اليوم انطلاق توزيع مادتي القمح الصلب والقمح اللين المجمّعة على المطاحن (المدير الجهوي لديوان الحبوب)    18 اعتداء ضد الصحفيين خلال شهر ماي..    الموسيقى لغة العالم ، شعار الاحتفال بعيد الموسيقى    عاجل/ تطورات جديدة في قضية مقتل المحامية منجية المناعي..    عجز ميزان الطاقة الاولية لتونس يرتفع بنسبة 10 بالمائة مع موفى أفريل 2025    عرفها التونسيون في قناة نسمة: كوثر بودرّاجة حيّة تُرزق    عاجل - يهم التونسيين المقبلين على الزواج : وزارة الصحة تصدر بلاغا هاما    هام/ هذه أسعار السيارات الشعبية في تونس لسنة 2025..    المنستير تتقدم: زيادة في الإقبال السياحي وتطوير مستمر للخدمات    تونس تُصدر زيت الزيتون إلى أكثر من 60 دولة    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    علاء بن عمارة يصل إلى تونس    الحماية المدنية تتدخل لإخماد 198 حريقاً خلال 24 ساعة فقط    عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود..    3'' حاجات'' لا تخرج من المنزل بدونها فى الطقس الحار    انخفاض في درجات الحرارة... وهذه المناطق مهددة بالأمطار    نسبة امتلاء السدود بلغت حاليا 55 بالمائة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جماعة قطر وجماعة الإمارات ..شكونهم وكيفاش وعلاش ؟
نشر في الشاهد يوم 19 - 03 - 2014

لم تكن العلاقات التونسيّة القطريّة الإماراتيّة وليدة مرحلة ما بعد الثورة، ومثل جميع الدول والمماليك العربيّة الأخرى امتلكت دول الخليج العربي علاقة متميّزة مع نظام بن علي، وكان التيّار يمرّ بين الجمع على أحسن ما يرام نظرا لتقارب الأنظمة في المصالح والتوجّهات وطبيعة الحكم التي تطغى عليها حسابات الأسر المالكة في دول الخليج والأسرة الجملوكيّة في تونس.
كعادتها منذ زمن طويل لم تشهد العلاقة بين الخليج المعقّم ضدّ التعدّديّة السياسية" ماعدا التجربة البرلمانيّة الكويتيّة " وبين تونس أيّ توتر ، ولم تمرّ ولو بمرحلة برود وتواصل التناغم على أشدّه وتوافقت مختلف الدكتاتوريّات على عدم التدخّل في جرائم الطرف الآخر واحترام خصوصيّات ذبحه ونحره وسلخه، بل وتنادت مختلف الأطراف إلى التعاون على تثبيت أواصر حكمها ورصدت ميزانيّات كبيرة للأمن الداخلي بمفهوم حماية الكيان الحاكم وليس الشعب والوطن، وتجسّدت الوحدة العربيّة في أبهى مظاهرها بين وزراء الداخليّة العرب، وضبطت لقاءاتهم بشكل حرفي ودارت اجتماعاتهم في كنف المحبة والتقدير وأفرط وزراء الداخليّة في التعاون إلى درجة اعتقدت فيها الشعوب المغلوبة على أمرها أنّها بصدد فيدراليّة عربيّة توشك أن تتحوّل إلى وحدة اندماجيّة كاملة وعمّا قريب ستعلن الولايات العربيّة المتحدة، لولا لقاءات وزراء الخارجيّة ثم "الزعماء" التي كانت تُذهب سكرة الحلم وتكشف أنّ وحدة الأرض والشعوب قد تتحقق بعد انقراض هذه الكائنات اللاحمة وانقراض نسلها وطابورها وعبيدها، وأنّ التناسق والتجانس والمحبّة والولاء تحضر فقط خلال اجتماعات وزراء الداخليّة العرب الذين يلتقون لتثبيت أركان الدكتاتوريّات وللمزيد من التكبيل والتكميم، وخلال التنسيق بين أجهزة الأمن التابعة إلى الأمراء والرؤساء والملوك والسلاطين تغشى مجالس الأمنيّين كميّة من الأخوّة البينيّة لو قسّمت على أهل الأرض لوسعتهم، وبالتوازي تغشاهم حالة من الحقد والمكر تجاه شعوبهم ينوء إبليس بحملها
***
- قناة الجزيرة وبدايات التوتر
أول بروز لحالات التوتر بين الدول الخليجيّة كانت بواسطة قناة الجزيرة التي اقتحمت السّاحة الإعلاميّة ومنها إلى السّاحة السّياسيّة والاجتماعيّة بقوة، ففي الفاتح من نوفمبر أُطلّت القناة التي اعتبرتها كلّ الأنظمة العربيّة لعنة حلّت على الأمّة، واعتبرتها الشعوب الحرّة من غير الطوابير نافذة أمل ستفتح الباب لما بعدها، وتجرّأت الإمارة القطريّة الصغيرة واستقبلت على أراضيها شخصيّات متمرّدة هواها مع الشعوب مثل فيصل القاسم، أحمد منصور، الحبيب الغريبي ، يسري فودة ، خديجة بن قنّة، أسعد طه، جميل عازر، المرحوم ماهر عبد الله وغيرهم .
****
- صوت الشعوب وصوت الحكّام
اتضح من الوهلة الأولى أنّ قناة الجزيرة ترغب في استنساخ الثقافة الإعلاميّة للبي بي سي بل وتجاوزت جرعاتها بكثير، في زمن قياسي وبنسق سريع وزّعت الجزيرة شراراتها على غالبيّة الدول العربيّة بالعدل، وحاولت الأنظمة كبحها بطرق شتى، مرّة بالاستمالة ومرّة بالتهديد وأخرى بمساومة الدوحة، ولمّا لم يشفع كل ذلك وبعدما انتقلت الجزيرة من رمي الشرر إلى الرجم بكتل اللّهب وأحسّت الأنظمة العربيّة وخاصّة نظام بن علي بالخطر، تحرّكت الديبلوماسيّة وسحب بن علي سفيره من قطر أملا في إجبارها على لجم القناة المتمرّدة، ثمّ وبعد الفشل في كبح تحرّش القناة بالأنظمة الشموليّة، تحرّك المال والجاه الخليجي وأنشأ في دبي إعلاما مضادّا للجزيرة وصرّح المشرفون على العربيّة جهارا أنّها جاءت للرّد على الجزيرة، واتضح مع الوقت وخلال الاحتلال الأميركي للعراق والحرب على غزّة وبيروت أنّ "الجزيرة" أصبحت صوت الشارع العربي و"العربيّة" أصبحت صوت الحاكم العربي، ومن على منابر العربيّة أطلت بروباكندا بن علي لتردّ وتسوّق وتروّج وتبيّض، كما أطلّت من على منابر الجزيرة شخصيّات تونسيّة معارضة كان أبرزها راشد الغنّوشي والمنصف المرزوقي وسهام بن سدرين وحمّة الهمامي ومحمد نجيب الشّابي وراضية النصراوي وعماد الدايمي وغيرهم بينما كانت العربيّة تفتح منابرها في اليوم الموالي لمستشاري بن علي الإعلاميّين والسّياسيّين للرّد على أقوال المعارضة التي بثّتها الجزيرة
واستمرت الجزيرة لأربعة عشر سنة تمرّر وجوها كانت الشعوب تستبعد أن تراها في صفحة وفيّات صحيفة جهويّة مغمورة، من على هذا المنبر مرّت كل الوجوه الفاعلة في المعارضة التونسيّة ، والذي لم يحضر مباشرة حضر عبر الهاتف أو حضرت أخباره على القناة، حتى الصحفي المثير للجدل توفيق بن بريك ولمّا ضاقت به الدنيا وحاصره بن علي وجد الجزيرة نت مفتوحة ليكتب ويسترزق.
وجاءت الثورة ، وقادت الجزيرة وكتائب الفايس بوك المعركة الإعلاميّة أمام اعلام بن علي والإعلام المخذل للثورة من دبي وباريس، ونجحت الجزيرة في الارتقاء بنشاط الثوّار على الفايسبوك إلى درجة المنافسة الإعلاميّة، وتتابعت المعارضة على القناة الوحيدة التي نزلت بثقلها مع الثورة، وألغت الجزيرة جلّ برامجها وتفرّغت لمؤازرة الشعب التونسي في معركته الفاصلة، ومثلما اصطفت بلا تردّد في صفّ الشعوب وحملت العبء الإعلامي لثورة الحريّة والكرامة، فقد أعطت هذه القناة للثورة زخما خاصّا ونكهة متميزة، من هناك انتشرت عبارات "بن علي هرب ، ومن هناك أطلّ الحفناوي بكلماته المؤثرة "هَرِمنا من أجل هذه اللحظة التاريخيّة"، وحين أنهت قناة الدوحة المشوار مع الثورة التي رافقتها من 17 إلى أن أعلنت ليلى الشيخلي أنّ الرئيس التونسي غادر البلاد وأنّ الجيش أو رئيس البرلمان سيتسلم السلطة، حينها أطلّت قناة العربيّة من دبي لتقول أنّ التونسيّين مختلفين في تسمية ثورتهم وانقسموا بين ثورة الكرامة أو ثورة الياسمين، واستقدمت من يتحدّث على الياسمين وولع التونسيّين به.
بعد الثورة بقليل ولما جمع إعلام الرمضاني نفسه وعادت رؤوس الأموال من اختفائها القصري ولملمت فلول التجمّع شتاتها شرعوا في معاقبة الجزيرة التي حمّلوها مسؤوليّة السقوط الإعلامي لبن علي ولمنظومته ومنظومتهم التي طالما تمعّشوا منها، واستفردوا بالجزيرة بعد أن صعب عليهم ملاحقة مارك زوكربيرج وموقعه فايسبوك الذي أوجعهم واحتاروا في عقابه وخيروا العفو عنه لانه في جوار واشنطن ومن يخفر جوار واشنطن فقد "هلك" ، وشرع النشطاء الذين استخدموا هذا المنبر الاجتماعي في دفع الثمن إلى جانب الجزيرة ، ولمّا كانت الجزيرة تتخذ من الدوحة مقرّا لها قرّروا تركيز هجماتهم على قطر في محاولة لوقف الحديث عن الثورة والإشادة بها وترويجها، وقرّرت هذه الفيالق أنّ تعمّق عداوتها مع المكان الذي تنطلق منه هذه الكاسحة الإعلاميّة، وحتى تتمكّن الدولة العميقة والفلول من الحشد ضدّ الدوحة وقناتها أوعزوا إلى اليسار الراديكالي أنّ هذه القناة هواها مع الخصم الأديولوجي الأول، وأنّ الدوحة ميولاتها إسلاميّة، ولمّا كان اليسار سهل الامتطاء ولديه تجربة عريقة في التذيل لبن علي ومن يدور في كنف بن علي ، فقد استجاب بسرعة وانطلت عليه الخدعة، ودخل الهمامي ورفاقه الذين ضاق بهم الإعلام العالمي سنوات الجمر واتسعت لهم الجزيرة في عداوة بغيضة مع المنبر الوحيد الذي فتح لهم أبوابه حين كان بن علي يرشي المنابر الأخرى فتذعن صاغرة لرشوته، وتنكّرت العمائم الحمر للمنبر العربي الذي تمرّد على أنماط الإعلام الرسمي المتبلّد، ووجحدوا بما قدمته لهم اول قناة عربيّة هواها مع الشعوب وضدّ الحكّام ، وعوض أن يسحب اليسار حلفائه التجمعيّين نحو أميركا اللاتينيّة للتمعّن في عودة الكادحين إلى المشهد السّياسي وانتزاع السلطة في أكثر من موضع ، عوض ذلك سحب التجمّع العصبة البلهاء بعيدا عن كلّ ذلك، لقد اقتادهم التجمّع وتوغل بهم بعيدا في الصحراء ويمم شطر آبار النفط، وحطّ الجميع رحالهم في دبي، ثمّ ومن هناك انطلقت قصة عشق جديدة بين البروليتاريّة المرتدّة، ومشائخ ناطحات السحاب.
كان التجمّع ينسج واليسار يلبس دون أن ينبس ببنت شفّة، وطلبت الدولة العميقة الدعم الإماراتي لاسترجاع دولتها التي سلبتها الثورة، وانخرط الزعيم اليساري الأول في تونس حمّة الهمامي في لعبة لا يعرف رأسها من قدمها، كلّ ما له فيها أنّ رموز التجمّع وعدوه إذا ساعدهم في استرجاع دولتهم أن يساعدوه في إبادة الهويّة وتفكيك الثوابت وإعادة خطب عيد الحبّ والعصيدة إلى المنابر والتوسّع في تمويل الزرد وبناء المزيد من الأضرحة الخضراء ، واستقبال المثليين لكتابة عقود زواجهم في المساجد .
وهال منظومة بن علي التي تقاتل من أجل العودة إلى منابعها تلك المعونات والقروض التي وصلت لدعم اقتصاد البلاد من الدوحة ، ودبّ القلق من جرّاء علاقة الثورة الجيدة بهذه الإمارة ، وعنادا في الغنّوشي رئيس الحزب الأول في البلاد، وانتقاما من المرزوقي رئيس البلاد ونجاحهم في الحصول على العديد من المعونات الضخمة من هذه الإمارة، قرّروا أن يستنجدوا بإمارة أكبر منها، فوقعوا على الإمارات واستجاروا بضاحي خلفان من سلطتهم التي انتخبها شعبهم، وبينما ذهب المرزوقي والجبالي لجلب الأموال من الدوحة لدفع عجلة الاقتصاد، ذهب التجمّع يجرجر يساره لجلب الأموال من دبي لدفع عجلة الانقلاب ..
تلك هي قصة الدوحة ودبي مع ثورتنا المجيدة وثورتهم المضادّة.
نصرالدين السويلمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.