محمّد بوغلاّب تتالت التسريبات الإعلامية حول إمكانية استقالة السيد حمادي الجبالي من منصب الأمانة العامة لحركة «النهضة» ثم طفت على السطح أنباء عن اعتزام جانب من قيادات النهضة تنحية السيد الجبالي من منصبه التنظيمي بعد أن صرّح برغبته في الترشح للإنتخابات الرئاسية القادمة بصفته مستقلا. وتعمق التباين بعد تمسك الجبالي في جولته الخارجية إلى أنقلترا وكندا والولايات المتحدة بمعارضته لقانون العزل السياسي المثير للجدل . ولئن نفى عبد الحميد الجلاصي نائب رئيس حركة «النهضة» المكلف بالهياكل ومنسقها العام خلال شهر ماي الفارط أية نية لقيادات (أو جزء منها على الأقل) في «النهضة» سحب الثقة من الجبالي فإن مصادر مطلعة من داخل مجلس شورى الحركة الذي سيلتئم اليوم وغدا أفادت «التونسية» بوجود صراع لم يعد خفيا بين شقين داخل أعلى سلطات الحركة الإسلامية (مجلس الشورى) وأصبح جليا للرأي العام بعد ترويج الشق المناهض لحمادي الجبالي لخبر تنحيته وسحب الثقة منه عن طريق تسريبات صحفية متكررة واستبداله بعبد الحميد الجلاصي مهندس إنتخابات 23 أكتوبر 2011 ونائب الرئيس صاحب الصلاحيات الواسعة (مكلف بالهياكل) فضلا عن تقلده خطة منسق عام داخل الحركة وهي مهمات تعني بشكل واقعي سحب البساط من تحت قدمي حمادي الجبالي أمين عام الحركة المتخلي بشكل فعلي عن مهماته التنظيمية منذ ترؤسه للحكومة. وتحدث إلينا أحد أعضاء مجلس شورى الحركة من المناصرين لحمادي الجبالي طلب منا عدم التصريح بإسمه وهو أمر مفهوم نظرا إلى طبيعة الحركة الإسلامية تنظيميا قائلا: «فجرت إحدى الصحف اليومية خبر الصعود المفترض لعبد الحميد الجلاصي إلى منصب الأمانة العامة وتحدثت عن الموضوع وكأن المسألة من تحصيل الحاصل إستباقا لمجريات أشغال مجلس شورى الحركة الذي سيكون الأكثر أهمية نظرا لاهتمامه (المفترض) بالوضع الهيكلي وهو الموضوع الذي طالما أجل لدورات عديدة ومواعيد متباعدة تحت ذرائع مختلفة لا ترتقي لأهمية استحقاق النظر في الوضع الهيكلي للحركة التي ظلت آلتها التنظيمية عاجزة ولم تواكب حاجيات مرحلة ما بعد الثورة ومسايرة تجربة الحكم. إن التأمل في ما عرضته الصحيفة اليومية من معطيات دقيقة منقولة من داخل كواليس المكتب التنفيذي، او نقلا صريحا عن فتحي العيادي رئيس مجلس شورى «النهضة»، أو ما تبع ذلك من استنتاجات لصيقة بهذا وذاك، تتنزل منزلة الخبر اليقين. يبيّن بما لا يدع مجالا للشك ان توجيها ما مرتبط بجوهر هذا الموضوع، ربما يكون مصدره المكتب التنفيذي أو بعض الأعضاء فيه وخاصة في ما يتحمله رئيس مجلس الشورى الذي ذكر بالاسم في ما تم نقله عنه حرفيا، أو مسؤولو الدائرة الإعلامية الذين يباشرون التفاعل اليومي مع وسائل الإعلام المختلفة، ويمدونها بما أرادوا وبالأقدار التي يرونها في ما يخص أوضاع الحركة الداخلية، ورد في هذا المقال شبه اليقين بأن «يفوز عبد الحميد الجلاصي بمعركة البقاء، نظرا لكونه يحظى بمكانة هامة داخل مختلف هياكل حركة النهضة». والتساؤل البديهي المتعلق بهذا السياق ، كيف ارتقى هذا المعطى من مجرد التخمين الى شبه اليقين أو درجة اليقين؟؟ وهل صحيح ان عبد الحميد الجلاصي يحظى بمكانة هامة تسمح له فعلا بالمرور السهل إلى خطة الأمانة العامة للحركة التي يشغلها رجل بحجم حمادي الجبالي؟؟». وأضاف محدثنا عضو مجلس شورى الحركة: «يبدو أن الرهان الحقيقي من خلال ما ورد في الجملة المذكورة أعلاه «معركة البقاء» أو الإثارة الاستباقية، المتعلقة بحل لمشكلة مستعصية داخل حركة النهضة هي «الهيكلة والتنظيم» خارج أطر مجلس الشورى صاحب الشرعية ومرجع نظر القرار السيادي هو معالجة وضع «الرجل الثاني» في الحركة. إن تحديد وضع «الرجل الثاني» في الحركة يمثل محور الاهتمام الحقيقي الذي يشغل بال الجهات المتنفذة داخل حركة «النهضة» نظرا لأهميته الفعلية، وأيضا اعتبارا لطغيان الجانب الرمزي على خطة «الرجل الأول» التي اقترنت بوضعية الشيخ راشد، وذلك حتى بالحجم الذي يلاحظ به تدخله المكثف في يوميات الحركة.. وشؤونها التفصيلية.. في حين يطغى الجانب التسييري والتنفيذي الذي هو من صميم اهتمامات الأمين العام على كل مجالات واهتمامات الحركة، التي قيل في شأنها حسب ما ورد في المقال أنها الأقرب إلى مجال قدرات عبد الحميد الجلاصي «نظرا لكونه يحظى بمكانة هامة داخل مختلف هياكل الحركة» وفي مقابل ذلك اخراج حمادي الجبالي في ذات الوقت من موقع الأمانة العامة (مجال التأثير والنفوذ داخل هياكل الحركة) وإخراجه بالخصوص من دائرة المجال الرمزي والفعلي لمرتبة «الرجل الثاني» التي تسمح لصاحبها بأن يكون «المرشح الأول» لأية خطة سياسية مهمة في الساحة السياسية وداخل مؤسسات الدولة، مثل رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة...». ويضيف محدثنا عضو مجلس شورى الحركة: «لم تستطع حركة «النهضة» رغم المجهودات المضاعفة ان تتجاوز مأزق الوضع التنظيمي لحمادي الجبالي، الذي لن يرضى بسهولة على ما يبدو أن يتحمل تركة وضع تنظيمي «كارثي» بسبب بعض العقد الصعبة والغامضة التي صنعتها الجهة المخاصمة له ( جهة التنفذ ) أثناء غيابه عن التنظيم لإدارة شؤون الحكم.. كما كان الحال عند انتفاضته على أوضاع حكم لم يتحمل مسايرتها إلى الآخر تنفيذا لرغبات رئيس الحركة والجماعة الموالية له... حمادي الجبالي يظل رقما صعبا داخل حركة «النهضة» حتى إذا استقال من الحكم وظل بعيدا عن مواقع التنفيذ والمواكبة اليومية، وهو يظل رغم تربص واستهداف الجهات المتنفذة ودوائر الشيخ راشد رجل الوفاق بامتياز ، وهذا التأكيد جاء على لسان لطفي زيتون الذي قال عن حمادي الجبالي «إنه لا يعطيك الفرصة حتى تخاصمه». ويواصل عضو مجلس شورى حركة «النهضة» الذي يمثل حسب إفادته لنا جناحا واسعا مساندا لحمادي الجبالي داخل مجلس شورى الحركة على الرغم مما تحرص بعض الجهات على إبرازه من كون الجبالي طائر منفرد يغرد خارج السرب «الأمر يختلف تماما بالنسبة إلى عبد الحميد الجلاصي ، الذي يفتقد حسب تأكيد الأوساط النهضوية الفاعلة للخصال القيادية ، ولا يملك حسب رأيهم خصال الوفاق والقدرة على التجميع. بالإضافة الى ضعفه التواصلي، وافتقاده للخبرة الإدارية العصرية، مما أضر كثيرا بأوضاع الهياكل والتنظيم، وجعل مؤسسات الحركة لا تجد توازنها، وتبحث الى الآن عن مدارها الصحيح. فضلا عن ان رصيده في التجربة السياسية ضعيف جدا، ولم يعرف عنه اثر في ساحة الفعل السياسي كما هو الشأن بالنسبة لمن خبر الميدان جيدا، كالسادة نور الدين البحيري وسمير ديلو او بن عيسى الدمني». فمن يكون عبد الحميد الجلاصي المرشح لخلافة حمادي الجبالي في الأمانة العامة لحركة «النهضة»؟ ظهر إسم عبد الحميد الجلاصي (وهو زوج السيدة منية إبراهيم عضو المجلس التأسيسي والتي شغلت عضوية المكتب التنفيذي ومجلس شورى حركة النهضة) بإدراج إسمه ضمن الهيئة التأسيسية للحركة بعد 14جانفي 2011 وأصبح عضوا للمكتب التنفيذي مكلفا بالهيكلة والتنظيم (فيفري 2011 فيفري 2012) وأسندت إليه مهمة رئاسة لجنة الانتخابات وأصبح يلقب داخل صفوف الحركة بمهندس إنتخابات 23 أكتوبر. وفي شهر فيفري 2012 عهد إليه منصب نائب رئيس الحركة ورئيس دائرة العمل الجماهيري وبعد مؤتمر الحركة التاسع أصبح عبد الحميد الجلاصي نائبا لرئيس الحركة مكلفا بالهياكل فضلا عن خطة منسق عام الحركة. وعبد الحميد الجلاصي من مواليد بوحسيب بنابل سنة 1960 وقد درس بالمدرسة القومية للمهندسين بقابس في مطلع الثمانينات في إختصاص الكيمياء . وتقلد خطة مسؤول «الإتجاه الإسلامي» بمدرسة المهندسين من 1983 إلى 1986 بقابس وأسندت له عضوية المكتب المركزي للتنظيم والإدارة من 1986 إلى 1987 ومسؤولية العمل الثلاثي من 1988 إلى 1989 وعضوية المكتب التنفيذي مسؤولا عن العمل الداخلي من 1989 إلى 1991 ويضم هذا الجهاز شؤون العضوية والتربية والتكوين والإدارة والفروع الجهوية واعتقل في شهر مارس سنة 1991 ويتردد داخل أوساط الحركة أن عبد الحميد الجلاصي صعب المزاج ولكن الصدفة خدمته ليعرف صعودا سريعا داخل قيادات الحركة فقد تعرف عليه حمادي الجبالي في السجن وكلفه بملف تنظيم الحركة الذي كان من مشمولات الجبالي. وفي هذا السياق يقول محدثنا عضو مجلس شورى حركة النهضة: «بعد الثورة استغل الرجل مسكه بملف التنظيم لترتيب الأمور التنظيمية حسب مصالحه وتولى تشكيل الهيئة التأسيسية التي بنيت على عجل جمع فيها أصدقاءه وروعي فيها عنصر ضمان الولاء مما أثار استهجان الشريحة الواسعة من أبناء الحركة ومناضليها، ثم تولى الوقوف بنفسه على تشكيل مكاتب الحركة معتمدا نفس أسلوب تشكيل الهيئة التأسيسية. أكثر من ذلك تدخل الجلاصي في توجيه إنتخابات مجلس الشورى وأشرف على تشكيل المكتب التنفيذي الذي هو من صلاحيات الشيخ راشد الغنوشي، بعد ذلك أشرف على إدارة الأمور وتوجيهها في ما يتعلق بأشغال مجلس الشورى الذي يدار بحسب مصالح الجهة المتنفذة صلب الحركة التي تتكون من رئيس الحركة ورئيس الحكومة الحالي وشقيقه رئيس المكتب السياسي ووزير الفلاحة وكاتب الدولة للهجرة ووزير الخارجية السابق صهر رئيس الحركة» ويذكّر محدثنا بأن عبد الحميد الجلاصي لا يحظى بثقل إنتخابي داخل الحركة إذ رفض ترشحه لرئاسة الهيئة التأسيسية للحركة خلفا لعلي العريض ورفض ترشيحه لخطة منسق عام للحركة قبل أن يتم إعادة إدماجه ضمن هذه الخطة. وخطة المنسق العام خطة مستحدثة داخل الحركة أثارت جدلا واسعا بين النهضويين ويرى جانب منهم أنها استحدثت إرضاء لعبد الحميد الجلاصي الذي سقط في عملية التصويت الخاصة بتعويض علي العريض على رأس الهيئة التأسيسية وفاز بها حينها فتحي العيادي الذي قضى عشرين عاما في المهجر. ويبدو حسب مصادر متقاطعة أن أسباب التقييم السلبي لشخصية عبد الحميد الجلاصي تعود الى طبيعته المنغلقة وقدراته الإتصالية المحدودة وشخصيته المغامرة بحكم تمرسه على العمل السري وفشله في التأقلم مع طبيعة المرحلة خلافا لحمادي الجبالي المعروف بقدرته الكبيرة على التوفيق بين المتناقضات والانفتاح على مختلف الحساسيات داخل الحركة وخارجها والانفتاح والتجميع والتوفيق بين المتناقضات.. فلمن ستؤول الغلبة؟ وهل سيظل حمادي الجبالي أمينا عاما للحركة ومرشحها الأبرز للرئاسية؟ أو أن عبد الحميد الجلاصي المتمكن من تفاصيل الحركة تنظيميا قادر على إزاحة الجبالي وتقديم نفسه كبديل محتمل له في الحركة وفي أجهزة الدولة؟