تحتفل تونس مع سائر بلدان العالم ومثلما دابت على ذلك منذ تحول السابع من نوفمبر 1987 بذكرى صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان تكريسا لخيارات التغيير الذى نزل حقوق الانسان منزلة الثوابت الاساسية في المشروع الحضارى للرئيس زين العابدين بن علي وضمن سياسته الاصلاحية.واعتمدت تونس رؤية واقعية لحقوق الانسان تقر بكونيتها وشموليتها وتحرص على ضمان النجاعة في التفاعل معها دون تجاهل للخصوصيات الوطنية وعملت في هذا الشان على تعزيز رصيدها التشريعي في ظل الرفض الصريح لاسلوب استيراد النماذج الجاهزة او التصورات النظرية التي لا جذور لها في واقع البلاد. وتكتسي الاحتفالات بذكرى صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان هذه السنة وفقا لقرار مجلس الاممالمتحدة لحقوق الانسان اهمية خاصة باعتبارها تخلد ذكرى مرور ستين سنة على صياغة خلاصة ما استقر عليه الضمير الانساني في المجال. وقد استعدت تونس لهذا الموعد منذ سنة حيث اعطي الرئيس زين العابدين بن علي يوم 10 ديسمبر 2007 بمناسية احياء الذكرى التاسعة والخمسين لصدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان اشارة انطلاق البرامج الوطنية التي تم وضعها للغرض من خلال الاذن بتنظيم انشطة متنوعة بالتعاون مع الهياكل والجمعيات المهتمة بحقوق الانسان شملت ميادين التربية والتكوين والثقافة والاعلام بهدف مزيد التحسيس والتوعية بحقوق الانسان وبابعادها وسبل حمايتها وتكريسها. وتوج هذا البرنامج بالملتقي الدولي حول “المنظومة الاممية لحقوق الانسان 60 سنة بعد صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان ” الذى تم تنظيمه منذ اسبوع تحت سامي اشراف رئيس الجمهورية. ويعد تمسك تونس بمبادىء حقوق الانسان الخالدة وقيمها الكونية وعدم التمييز بين مختلف اصنافها خيارا جوهريا انطلق مع بيان السابع من نوفمبر وتجسم من خلال جملة من التشريعات شملت منذ الايام الاولى للتغيير دعم الحقوق والحريات بتنظيم الاحتفاظ والايقاف التحفظي والغاء خطة الوكيل العام للجمهورية ثم الارتقاء بحقوق الانسان في 2 جوان 2002 الي مرتبة دستورية والسهر باستمرار علي ان يتم احترام هذه الحقوق بصورة دقيقة على صعيد الممارسة. ودعما لهذا التمشي تضمن خطاب رئيس الدولة في الذكرى العشرين للتحول عديد الاجراءات والقرارات الهامة في المجال اذ تم دعم الضمانات القضائية في فترة الاحتفاظ ومزيد تطوير المنظومة الجزائية لتوسيع مجال العقوبة البديلة للسجن باقرار عقوية التعويض الجزائى وبتيسير شروط استرداد الحقوق فضلا عن تطوير عمل المحاكم باحداث منظومة اعلامية متطورة. وتسعى تونس في اطار تكريس حقوق الانسان في مفهومها الشامل الى دعم العناية بالمراة والاسرة والطفولة والمسنين والفئات الخصوصية. وفي هذا الاتجاه شملت قرارات الذكرى 20 للتحول ايضا تحجير اقامة الاطفال مع امهاتهم السجينات واحداث فضاءات خاصة برعاية الام الجانحة وايوائها عندما تكون حاملا او مرضعا. ويندرج في السياق ذاته قرار رئيس الدولة في الذكرى التاسعة عشرة للتحول دعم وتوسيع صلاحيات الهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات الاساسية الي جانب قراره في 9 ديسمبر 2006 بمناسبة الذكرى 58 لصدرو الاعلان العالمي لحقوق الانسان فتح افاق التشغيل امام ابناء العائلات الاكثر احتياجا ووضع برنامج خاص لتوفير الشغل على الاقل لاحد ابناء هذه العائلات الحاصلين علي شهادة عليا. وقد احتل ملف التشغيل عامة وتشغيل ابناء المناطق ذات الاولوية خاصة حيزا هاما ضمن خطط الدولة وسياساتها خلال السنوات الاخيرة انطلاقا من روءية متكاملة ومتناسقة ذات ابعاد اجتماعية انسانية تعتبر الحق في الشغل أحد حقوق الانسان الاساسية ومقوما جوهريا من مقومات اكتمال كرامة الفرد. وتعززت هذه المقاربة منذ سنة 2005 بالبرنامج الخصوصي الذى بادر باقراره الرئيس زين العابدين بن علي لفائدة المعتمديات ذات الاولوية والذى مكنت تدخلاته من دفع التشغيل ب55 معتمدية ذات اولوية. واستهدفت هذه التدخلات 26170 طالب شغل ساهم الصندوق الوطني للتشغيل في الاحاطة ب 6727 منهم. وتستفيد هذه المعتمديات بالاضافة الى ذلك من حصة خاصة بها ضمن برامج الصندوق العادية. واعتبارا للوقع الايجابي لهذا البرنامج اقر رئيس الجمهورية سنة 2007 برنامجا اضافيا ب21 معتمدية ذات اولوية استهدف 7007 طالب شغل ساهم صندوق 21/21 في الاحاطة ب 1505 منهم الى جانب نصيب هذه المعتمديات من البرامج العادية للصندوق مما يرفع عدد المنتفعين بها الى 37536 منتفعا. وقد طالت الاصلاحات منذ اكثر من عقدين مختلف القطاعات والفئات حيث تعددت المبادرات وتتالت النصوص التشريعية الهادفة لدعم حقوق الانسان وصيانتها ومنها بالخصوص صدور القانون المتعلق بحماية الطفل سنة 1995 تكريسا لرعاية الطفولة وتعزيزا لوقاية الاحداث من الانحراف وايضا وفي نفس السنة القانون المتعلق بالغاء التشغيل الاصلاحي والخدمة المدنية دعما لحقوق الانسان ولحرية الفرد في الشغل. وبالموازاة مع ذلك تم ايلاء عناية خاصة بالتكوين لفائدة الجانحين والحرص على اعادة ادماجهم في الحياة الاجتماعية. وتعززت حقوق المراة من خلال التنقيحات المتواترة التي عرفتها مجلة الاحوال الشخصية بما دعم منزلتها وارتقى بدورها صلب الاسرة والمجتمع. وبفضل تفاعل المنظومة الوطنية لحقوق الانسان مع المنظومة الاممية في المجال واختيار تونس الانخراط في جل المعاهدات الدولية الاساسية لحقوق الانسان فقد تعزز حضورها في الهيئات الاممية والدولية المختصة حيث انتخبت سنة 2006 عضوا في مجلس حقوق الانسان لمنظمة الاممالمتحدة بجنيف. كما تم انتخاب كفاءة تونسية في لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة بنيويورك وهي لجنة تتولى مسوءولية مراقبة التزام الدول الاعضاء في ما يتعلق بحقوق الانسان والتاكد من مطابقتها لبنود المعاهدات الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية. وان تونس المتمسكة بمبادىء حقوق الانسان الخالدة وقيمها الكونية لمعتزة بكونها من الدول الموءسسة لمجلس حقوق الانسان وبانها من ضمن الدول الاوائل التي اجرت المراجعة الدورية الشاملة امام هذا المجلس يوم 08 افريل 2008 ويوم 09 جوان من نفس السنة. وتعد هذه المراجعة الية جديدة اقرها المجلس تجسيما للنقلة النوعية المسجلة على المستوى الدولي لدراسة حقوق الانسان في عمقها الميداني والعملي قياسا بالوضع الذى كانت عليه لجنة حقوق الانسان التي عملت بدورها طيلة الستين سنة الماضية على دعم المرجعية القانونية الدولية في المجال والنهوض بها. وقد مثلت مناقشة تقرير تونس امام المجلس مناسبة للتحاور الايجابي بين الوفد التونسي واعضاء مجلس حقوق الانسان واعضاء الفريق العامل وممثلي المنظمات غير الحكومية الذين اعربوا عن اكبارهم وتشجيعهم لجهود تونس في مجال حقوق الانسان وهو ما يحملها مسوءولية كبرى ويدفعها الى العمل على مزيد الانجاز. وادراكا من تونس لكون مختلف السياسات والبرامج والتشريعات المتعلقة بهذه الحقوق على شموليتها وتكاملها لا يتسنى لها النجاح والاستمرار ما لم يتم العمل على نشر ثقافتها وترسيخها لدى كافة أفراد الشعب بمختلف فئاته فقد أولت الدولة منذ التحول عناية بالغة لموضوع التربية على حقوق الانسان خاصة عبر البرامج التربوية والتعليمية. وصدر في هذا الاطار القانون المتعلق باصلاح النظام التربوى ليوءسس توجهات جديدة تهدف الى تكريس روح المواطنة والولاء للوطن ونشر ثقافة التضامن ومبادىء حقوق الانسان وقيم التسامح والاعتدال لدى الناشئة الى جانب احداث كرسي لتدريس حقوق الانسان بالجامعات التونسية. ومن منطلق الحرص على ان تكون تونس بلد الحريات وعلوية القانون فقد بادر الرئيس زين العابدين بن علي باحداث “ميدالية رئيس الجمهورية لحقوق الانسان ” وهي ميدالية تسند الى الشخصيات والمنظمات التي تميزت باسداء خدمات جليلة في مجال حقوق الانسان ودعمها وتطويرها ونشر ثقافتها على الصعيد الوطني والاقليمي والدولي لتكون تعبيرا صادقا على انخراط تونس في مجهود منظمة الاممالمتحدة ومختلف الموءسسات والمنظمات الناشطة في المجال.