البيزرة مخزون ثقافي وبيئي متميز هو شعار الدورة 43 لمهرجان الساف التي تقام هذه السنة من الخميس 11 إلى الأحد 14 جوان بمدينة الهوارية. وقد أضحى هذا المهرجان الذي تنفرد به الهوارية موعدا للاحتفاء بالساف رمز موطن النسور اكيلاريا مثلما سماها الرومان ولإبراز ما تكتنزه هذه المنطقة الموجودة بأقصى شمال ولاية نابل من مخزون ثقافي وبيئي جعل منها وجهة مفضلة لآلاف الزوار من تونس ومن الخارج خلال هذه الفترة كل عام. الهوارية هذه المدينة الهادئة الواقعة بأقصى نقطة في الرأس الطيب (الوطن القبلي) والتي لا تفصلها عن جزيرة صقلية الايطالية سوى مسافة 140 كلم ما تزال إلى اليوم متمسكة بخصوصياتها الثقافية ولاسيما بفن البيزرة إذ جعلت من طائر الساف أمير السماء وخصته بمهرجان سنوي عنوانا لشغف أبنائها بالطبيعة ولتمسكهم بخصوصياتها البيئية والثقافية. والهوارية هي كذلك مدينة الكهوف والمغاور التي يعود حفرها إلى الفترة الرومانية عندما كانت تستخرج منها الحجارة لاستخدامها في المعمار وحتى لبناء مسرح روما. فمغاور الهوارية ما تزال قائمة إلى اليوم وهي تروي للزوار حكايات وأساطير عن حضارات تعاقبت على حوض المتوسط وطبعت تاريخ الإنسانية. وتظل الهوارية إلى اليوم بمغاورها وجبالها وشواطئها مزارا للسياح ومقصدا لمحبي الطبيعة وهى كذلك بالنسبة إلى حماة الطيور أفضل موقع لمراقبة عبور آلاف الطيور المهاجرة في رحلتها من جنوب القارة الإفريقية إلى أوروبا. وتجد هذه الطيور في التضاريس الجبلية للهوارية ملاذا آمنا للراحة قبل عبور المتوسط بعد أن تكون قد حلقت في سماء المنطقة في انتظار التيار الهوائي الدفئ والمناسب الذي يسهل رحلتها باتجاه البلاد . ويكتسي الاحتفاء السنوي بطائر الساف دلالات بالغة الأهمية كونه موعد مع تاريخ الوطن القبلي ودلالة على ما توليه تونس من اهتمام لتوظيف المخزون الثقافي والبيئي في خدمة التنمية المستديمة التي تحترم البيئة والمحيط وتحمى الطيور والحيوانات لتشكل في مجملها ثروة ايكولوجية قابلة للتثمين لفائدة الأجيال المتعاقبة. ويتضمن برنامج دورة هذه السنة فقرات تنشيطية وتراثية تعيد رسم بعض أوجه العلاقة التي جمعت طائر الساف بمتساكني منطقة الهوارية منذ أمد بعيد وتعرف بأسرار توارثها وتشمل بالخصوص عروضا لفن البيزرة بطائر البرني ومسابقات للصيد بطائر الساف وأخرى للرماية. وقد أدرجت لجنة تنظيم المهرجان محاضرة حول “فن البيزرة وهجرة الطيور عبر مضيق الهوارية- صقلية” فضلا عن يوم سياحي لتثمين الموروث الثقافي والأثري بالجهة إلى جانب عروض أخرى فنية وحرفية ومسابقات رياضية متنوعة. ويقوم فن البيزرة الذي يتفرد به أبناء منطقة الهوارية ويتوارثه بيازرتها أبا عن جد على تربية فصيلتين اثنتين من الجوارح لغرض استعمالها في الصيد وهما طائر الساف المختص بقنص السمان وطائر البرني المختص بقنص الحجل. ويعد الساف من الجوارح المهاجرة التي تعشش بأعالي جبل الطير بالهوارية مع بدايات شهر مارس إلى نهاية شهر أفريل من كل سنة. ويبلغ عدد مربي الساف بالهوارية 150 والبرني 8 فقط باعتبار ندرة هذا الطائر المهدد بالانقراض والذي تسعى تونس للمحافظة عليه.