أخبار تونس – انطلقت صباح اليوم الاثنين بالعاصمة تونس فعاليات الندوة الفكرية الدولية لأيام قرطاج المسرحية التي تشرف عليها “اللجنة الوطنية للإحتفال بمئوية المسرح التونسي وبالاشتراك مع المعهد العالي للفن المسرحي ومخابر البحوث المتخصصة في مجال الثقافات والتقنيات الحديثة. وافتتح السيد عبد الرؤوف الباسطي وزير الثقافة والمحافظة على التراث الندوة التي تحمل عنوان “على أبواب المئوية الثانية للمسرح التونسي: أي مستقبل للمسرح في العالم” بحضور مدير الندوة محمد المديوني ومدير أيام قرطاج المسرحية محمد إدريس. وأكد السيد عبد الرؤوف الباسطي في بداية كلمته على العناية الفائقة التي توليها تونس للمسرح إقرارا بأهميته في بناء الثقافة الوطنية وتجديد علاقة التونسي بتراثه وبحتمية إنتاج القيم في كل مرحلة وتجلت سمات هذا الاهتمام المتزايد بالمسرح في تخصيص سنة 2008 لتنظيم الاستشارة الوطنية حول المسرح والاحتفال بمؤية المسرح وإبراز أعلام الفن الرابع والاشادة بمؤلفاتهم. وتأتي هذه الندوة في وقت تتزايد فيه تأثيرات العصر الرقمي وتتكثف مسألة التداخل بين الاجناس الفنية وتحول الانتاج الادبي إلى صناعة كغيرها من الصناعات تسوق وتروج لتأخذ كافة مواصفات الصناعة لاسيما في زمن ثورة وسائل الاتصال الجماهيرية. ولقد كان أعلام المسرح التونسي في طليعة النخب الوطنية التي حملت مشعل التنوير وتحرير الفكر من كل قيد مما ساهم في إثراء الحركة الفكرية في البلاد وفي تنوع المسارح وتعددها خاصة من خلال كثرة الفرق المحترفة والهاوية وغزارة نشاط المسرح المدرسي والجامعي والقطع مع فكرة المركزية الثقافية ببعث مراكز فنون درامية في الكاف وفي قفصة. وكانت إنطلاقة الندوة الفكرية الدولية من خلال الحصة الأولى التي حملت عنوان “المسرح والحالة المسرحية” برئاسة المسرحي الفرنسي روبير أبي راشد وافتتح سلسلة المداخلات العلمية بيير ديبوش من فرنسا في محاضرة بعنوان ” في الحالة المسرحية” وحلل فيها الظاهرة المسرحية من خلال إبراز مكوناتها الاساسية من نص وإخراج وتمثيل وديكور وإضاءة وملابس من خلال نموذج النص المسرحي الشهير “كالوغولا” لألبير كامو مركزا على إعطاء مفهوم شامل ودقيق للمسرح الذي يتطلب نقل المشاعر والاحاسيس إلى الجمهور الواسع وهي مهمة عسيرة وبالغة التعقيد. وإستعرض محمد المديوني مدير الندوة الفكرية ورقة عمل مقدمة من قبل الدكتورة ماري إلياس من فلسطين إذ تعذر عليها الحضور إلى تونس وتحمل الورقة عنوان “مابعد الدرامي والمسرحة” والتي عرفت فيها بمفهوم “المسرحة” كمفهوم حديث لمسرح لا يقوم على فكرة الدراما بمعناها الشائع وعالجت ماري إلياس المسألة من خلال أشهر الدراسات والبحوث المقدمة في هذا المجال ومن خلال بعض النماذج المتميزة من المسرح العربي مثل مسرح الصورة ومسرح الجسد في لبنان والمغرب واعمال التونسية رجاء بن عمار. وفي مداخلة بعنوان “مدخل إلى تشكل الحالة المسرحية” أكد المخرج حمادي المزي على أنه لا يفصل بين التنظير والممارسة في المسرح وأن التفكير المسرحي يغذي الابداع ويستفز الفكر لكي يخصب الاعمال الابداعية ويجعلها مميزة وانطلق المحاضر من تجربته الخاصة المتمثلة في شركة الإنتاج “دار سندباد”. وعرج المخرج محمد كوكة في مداخلته “جوهر الحالة المسرحية ومستقبلها” على مفهوم المحاكاة في المسرح الاغريقي خاصة وفق المنظور الارسطي والمنظور الافلاطوني عائدا بالمتلقي إلى مرحلة المنابع والتأسيس الدرامي التي وضعت الركائز الاساسية لفن التمثيل وضرورة إيصال المعنى بجلاء إلى كل فرد. واختتمت سلسلة المداخلات في الحصة الأولى بمداخلة الناقد المسرحي عبد الحليم المسعودي “تحقيق المسرحة بين الحاجة الداخلية والغواية الشكلانية” الذي إستثمر خطاب المفكر الفرنسي جاك بيرك حول “المسرحة في القرآن” إذ تتواتر حسب هذا المفكر حركات الكشف والحجب ويتضمن النص القرآني شخصيات متعددة وشبكة مكثفة من الأفعال. ومن خلال هذا الرأي لجاك بيرك تساءل عبد الحليم المسعودي قائلا هل أن المسرح العربي ظهر فعلا مع مارون النقاش عندما حاكى “البخيل” لموليير أم أن المسرح بمفهومه الأصيل قد ظهر مع ظهور النص القرآني الذي دعى إلى العقلانية؟ فهل يستقيم هذا الطرح “البيركي” (نسبة الى جاك بيرك) والحال أن المسرح يشتغل على تحويل الخرافي إلى الواقعي والعقلاني؟ وعقب انتهاء الجلسة الاولى من فعاليات اليوم الاول للندوة قال مدير الندوة محمد المديوني لأخبار تونس إن هذه التظاهرة الفكرية الدولية تندرج ضمن حلقات الاحتفال بمئوية المسرح التونسي تساهم في جعل المسرح منظورا أكثر ولابراز تراكم التجارب المسرحية سعيا الى استشراف المستقبل ووضع طريق قويم لإنماء الفن الرابع لا سيما في وقت يتسم بتداخل الاجناس كما تفكر اللجنة الوطنية للإحتفال بمئوية المسرح التونسي في إصدار مجمل المداخلات والمناقشات في كتاب يوثق لتاريخ المسرح ويساهم في تأصيله.