أخبار تونس – تتواصل بتونس وعلى مدى يومين (25و26 ماي) أشغال الدورة الثانية “للقاءات المتوسط” التي ينظمها المعهد الأوروبي للمتوسط ومعهد الاستشراف الاقتصادي بالتعاون مع المعهد العربي لرؤساء المؤسسات. ويشارك في هذه اللقاءات، التي تنعقد قبل القمة القادمة للاتحاد من أجل المتوسط، شخصيات سياسية مرموقة إلى جانب خبراء وأصحاب مؤسسات من بلدان متوسطية. وقد وقع التركيز خلال اليوم الأول من أشغال هذه الدورة على ضرورة تسريع نسق إرساء فضاء للتعاون المشترك الأوروبي المتوسطي واستغلال إمكانيات التكامل التي تزخر بها هذه المنطقة على أفضل وجه ويتجسد هذا التكامل في عدة جوانب ديموغرافية وطبيعية واقتصادية. فأوروبا التي تعاني من ظاهرة التهرم السكاني وما ينجم عنه من انخفاض في قدرتها على النمو الاقتصادي يتعين عليها الانفتاح على الضفتين الجنوبية والشرقية للمتوسط أين يشهد عدد الشبان ذووا الكفاءة نموا مطردا، ووفقا للتوقعات فان هذا العدد، سيصل إلى نسبة 40% من السكان النشيطين في الضفة الجنوبية للمتوسط في أفق 2030. كما أن التكامل على مستوى الموارد الطبيعية، وتوفر مصادر الطاقة المتجددة في بلدان جنوبي وشرقي المتوسط إلى جانب وجود الأراضي الفلاحية والموارد المائية بوفرة في أوروبا، كلها عوامل تدعو إلى تحقيق اندماج أورومتوسطي اكبر. وقد أكدت السيدة اليزابيت غيغو، النائبة بالبرلمان ووزيرة العدل الفرنسية السابقة “أن كل ما ينقص في الجنوب يوجد في الشمال”. وأبرزت أن الاندماج الأورومتوسطي يشكل ضرورة ملحة إن لم يكن الانجاز الجيوسياسي الأهم في القرن 21 سيما وان الأزمة المالية الدولية ساهمت في تشكل خريطة عالمية جديدة لمعايير المنافسة الاقتصادية. وأضافت المتحدثة قائلة إن أوروبا وبلدان جنوب المتوسط وشرقه لا تملك خيارات أخرى، غير الانضواء تحت لواء تجمع، حتى تكتسب الحجم المطلوب لمواجهة احتداد منافسة الأقطاب الإقليمية الكبرى ولا سيما الأمريكية والاسياوية. من جهته دعا السيد عفيف شلبي، وزير الصناعة والتكنولوجيا إلى تضامن واندماج اكبر داخل المنطقة الأوروبية المتوسطية لمواجهة الخطر الآسياوي. وأكد السيد عفيف شلبي، في تدخله في إطار الدورة الثانية “للقاءات المتوسط” انه في “حال عدم رغبة أوروبا في أن تصبح قارة دون مصانع في آجال قريبة، فانه يتعين عليها دعم العلاقات التي تربطها بالبلدان القريبة منهاعلى غرار تونس”. وأوضح أن “دول الجنوب تتموقع اليوم كبدائل للنمو ولاحترام توازنات الاقتصاد الكلي” مضيفا “انه خلافا لبعض الأفكار الراسخة، فان تمركز أي مؤسسة أوروبية في تونس، يساهم وفي اغلب الحالات في ضمان استدامة مواطن الشغل بأوروبا”. وقد تضاعفت بذلك الصادرات التونسية باتجاه الاتحاد الأوروبي، خمس مرات خلال الفترة الممتدة بين 1995-2009، لتبلغ نحو 11 مليار اورو، في حين تضاعفت الواردات التونسية المتأتية من الاتحاد الأوروبي، ثلاث مرات لتصل إلى ما يناهز 13 مليار اورو خلال سنة 2009، أي بفائض لفائدة الاتحاد الأوروبي في حدود 2 مليار يورو. وأفاد انه نتيجة لذلك “إذا كانت تونس تحتاج اليوم، كما هو الشان منذ 30 سنة إلى أوروبا، فان هذه الأخيرة في حاجة اكبر بكثير لبلدان الجنوب بشكل عام والى تونس بشكل خاص لمواجهة بروز الدول الاسياوية”. ولاحظ انه “لئن أفرزت الأزمة ضغوطات قوية على المدى القصير فإنها وفرت أيضا فرصا تاريخية لدعم العلاقات بين شمال وجنوب المتوسط”. ومن هنا “تبرز الضرورة بالنسبة إلى تونس وأوروبا للدخول في مرحلة جديدة: المرور إلى مرتبة الشريك المتقدم”. وبين أن مثل هذا المشروع يفرض تغييرا عميقا في نظرة أوروبا إلى بلدان الجنوب والبلدان المغاربية بصفة خاصة، وعلى المدى القصير إلى نظرة لا تكتفي بالبحث عن النفط والغاز والتصدي إلى الإرهاب وتدفق المهاجرين، بل تحتاج إلى نظرة استشرافية وواقعية تعتبر المغرب العربي كامتداد طبيعي للاقتصاديات الأوروبية الباحثة عن النمو لتكون بذلك نظرة استشرافية تواكب شعار الحملة التي تقوم بها تونس في أوروبا منذ أكثر من سنة: “بحثا عن النمو، فكر في تونس”. واعتبر السيد عفيف شلبي، أن هذه النظرة تفترض القيام بمبادرات طموحة في ما يتعلق بتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة ونقل التكنولوجيات وحرية التنقل، بما يضمن الربح للجميع على كل المستويات من طاقة وامن وتشغيل وشراكات واستثمارات وتكنولوجيات. وأفاد أن المنطقة الأوروبية المتوسطية توجد اليوم في مفترق الطرق، فإما أن تسعى إلى مزيد من الاندماج وتحتل مكانها ضمن التقسيم الدولي الجديد للعمل الذي بدا في البروز وإما أن تصير كما قال الخبراء في الاقتصاد، منطقة “بروليتاريا” للاقتصاد العالمي الجديد. والجدير بالذكر أن تونس حققت تقدما ملموسا بفضل الإصلاحات المتتالية المنتهجة منذ سنة 1987 لملائمة الإطار التشريعي والترتيبي مع متطلبات دعم نجاعة الاقتصاد الوطني واندراجه في الفضاء الأورومتوسطى وللنهوض بالمؤسسات وبمحيطها وتعزيز القطاعات الواعدة والأنشطة المجددة وتثمين الموارد البشرية. فقد توفقت تونس بفضل هذا التمشي إلى تحقيق نقلة نوعية في هيكلة الاقتصاد الوطني، وتنويع قاعدته وتعزيز مكانة الأنشطة ذات المحتوى المعرفي الرفيع التي بلغت نسبتها 25% من الناتج المحلى الاجمالى سنة 2009، فضلا عن تحسين مناخ الاستثمار وارتفاع نسق استقطاب الاستثمارات الخارجية التي بلغت خلال السنوات الثلاث الأخيرة ما يقارب 5% من الناتج المحلى الإجمالي وشملت بالخصوص الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية والمحتوى التكنولوجي الرفيع على غرار مكونات السيارات والطائرات وتكنولوجيات الاتصال والمعلومات.