لم تنقطع ا لشبهات والمزاعم المغرضة ضد الاسلام ورسوله منذ بدء الدعوة الاسلامية قبل نحو خمسة عشر قرنا. ومنذ وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر اشتدت الحملة على الاسلام مستخدمة احدث وسائل الاعلام والاتصال والمعلومات لاثارة الشبهات ضد ديننا الحنيف للتشكيك فيه، وصرف الناس عنه، والقضاء عليه، حيث يعتبرونه «العدو البديل» للحضارة الغربية بعد سقوط الشيوعية. انهم يغمزون ويلمزون ويلوون الحقائق ليصفوا الاسلام كذبا وزيفا بأشياء هو منها براء. احدى شبهات هؤلاء الخصوم التي يلوحون بها بين الحين والاخر الزعم بأن الاسلام والعياذ بالله هو سبب تخلف المسلمين وتأخرهم عن اللحاق بالأمم المتقدمة علميا وتقنيا وتكنولوجيا. ان حقائق التاريخ تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان الغرب تعلم من المسلمين، وان الامة الاسلامية كانت الأمة الاولى في العالم لفترة تزيد على عشرة قرون وكنا نحن المسلمين قادة الدنيا ومعلمي الحضارة، وكانت اللغة العربية هي لغة العلم في العالم. لقد كان الشباب في اوروبا يأتون ليتعلموا على أيدي علماء المسلمين، وكانت كتب المسلمين العلمية اشهر الكتب في العالم. علماء دين ودنيا وكثير من علماء الطبيعة والرياضيات الاوائل كانوا علماء دين... وهذا هو ابن رشد الذي يعتبره بعض الغربيين اعظم فلاسفة الاسلام كان طبيبا كبيرا، وله كتاب شهير هو «الكليات في الطب»... كما كان من كبار الفقهاء ويشهد على ذلك كتابه، «بداية المجتهد ونهاية المقتصد». اما الفخر الرازي صاحب الكتب الدينية الكثيرة فقالوا عنه ان شهرته في علم الطب لم تكن تقل عن شهرته في علم الحديث. وما تقدم هولاء ونبغوا في تلك العلوم التي أصبحوا اساتذة العالم فيها الا لأنهم احسنوا فهم تعاليم الاسلام، وما تخلف المسلمون في الحاضر الا لأنهم ابتعدوا عن تلك التعاليم، وليس تخلفهم بسبب الاسلام كما يدعي خصومه من خلال الشبهات التي يثيرونها لضرب بنيان الاسلام من قواعده وهدم مقومات الحياة الاسلامية للامة. فالعلم في نظر الاسلام ليس خصما للدين، ولا ضدا للايمان، ولم يعرف المجتمع الاسلامي ما عرفته مجتمعات اخرى من الصراع بين العلم والدين، ومن اعتبار العلم مقابلا للايمان، فالحقيقة ان العلم عندنا دين والدين عندنا علم، والعلم في حضارتنا دليل الايمان، وإمام العمل، وباب السعادة في الاولى والآخرة. وينبغي أن ندرك حقيقة ان الاسلام لا يضيق بالعلم التجريبي، بل يحترمه ويدعو ا ليه، ويصنع المناخ النفسي والفكري الملائم لازدهاره، مثل: تكوين العقلية العلمية الموضوعية التي ترفض ا تباع الظن والهوى والتقليد. التخطيط التجربة ويدعو الاسلام الى اشاعة التعلم والكتابة والقراءة، وتعلم لغات الاخرين عند الحاجة، واستخدام اسلوب الاحصاء، واسلوب التخطيط لمواجهة احتمالات المستقبل، وأقر مبدأ التجربة في شؤون الدنيا، والنزول عند رأي أهل الخبرة في مجال خبرتهم واقتباس كل علم نافع من أهله، واحترام سنن الله تعالى في الكون، والحملة على الاوهام والخرافات والمتاجرين بالكهانة والعرافة... وكل هذا أتاح للعقل ان يفكر وللعالم ان يبحث وللعلم ان يزدهر في ظل الحضارة الاسلامية. ومن محاسن الاسلام انه لا يفصل بين العلم والاخلاق، الامر الذي يوجب على أمتنا العمل لاستعادة ريادتها في التقدم العلمي لضمان توجيهه للبناء والتعمير وليس للتخريب والدمار الشامل كما هو حادث الآن عند الامم ا لاخرى. وقد وضع الاسلام مبادئ وأسسا للتعلم والتعليم سبق بها افضل ما يباهي به عصرنا ومفكرته من قيم تربوية، مثل مبدأ: استمرار التعليم من المهد الى اللحد... ومبدأ التخصص في احد العلوم... ومبدأ التوقير للمعلم والرفق بالمتعلم... وكذلك التدرج في التعليم ومراعاة الفروق، والاشفاق على المخطئ وتشجيع المحسن. وبهذا ازدهرت العلوم الكونية كما ازدهرت العلوم الدينية، وقامت نهضة علمية تتلمذ عليها العالم كله لعدة قرون، وتركت آثارا مازال بعضها مكنونا الى اليوم يحتاج الى من يحييه، ويجلو الصدأ عنه. فلا يجوز الخلط بين الاسلام والواقع المتدني للعالم الاسلامي، فالتخلف الذي يعاني منه المسلمون لا دخل للاسلام فيه من قريب او بعيد، كما ان ذلك التخلف يعد مرحلة في تاريخ الامة، ولن يستمر الى ما لا نهاية ويجب ان يكون الحكم على موقف الاسلام من التقدم العلمي والحضارة قائما على دراسة موضوعية منصفة لأصول الاسلام واحكامه وتعاليمه وليس على أساس اتهامات واحكام مسبقة لا صلة لها بالحقيقة.