بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. يوسف القرضاوي: نظمنا السياسة الاستبدادية عائق أمام تقدمنا


- أهم شيء فعله القرآن هو أنه أقام العقلية العلمية.
- الإسلام برئ من دعوة تخلف المسلمين.
- التقليد ضرب حياتنا الدينية والعقلية والسلوكية فمنعنا من التقدم.
- أنظمتنا التعليمية لا تخرج النوابغ والمبتكرين.
- علينا أن نخلص الأمة من الموروث الجامد والوافد الغريب.
- الحرية تصنع المبدعين والاستبداد يقتل الإبداع.
- إذا ظلت القطرية والفرقة في تفكيرنا فلا أمل في التقدم.
'الإسلام والتقدم العلمي'.. كان موضوع الندوة التي أقيمت مؤخراً في إطار منتدى الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – وتحدث فيها د. يوسف القرضاوي وأدارها د. محمد عمارة.
وقد تحدث د. يوسف القرضاوي فقال إننا ولا شك متخلفون.. قد يقولون عنا إننا دول نامية أو إننا عالم ثالث وقد تكون هذه التسميات للتخدير، أما الحقيقة فهي أن الأمة الإسلامية كلها محسوبة في دائرة التخلف، ومضي الزمن ليس جزءً من العلاج، فنحن نركب السيارة وهم يركبون الطائرة، وحينما ركبنا الطائرة ركبوا الصاروخ. وليت السيارة والطائرة من صنعنا بل هي من صنعهم ونحن مجرد مستخدمين لهذه الأدوات الحضارية. إن بعضنا ربما يركب سيارة مرسيدس آخر موديل لكننا للأسف لم نصنع من هذه السيارة أي شيء، لكنه مجرد مال مدفوع لشرائها. عجبا لأمة سورة الحديد التي لم تتقن صناعة الحديد... لقد نزل علينا القرآن وفيه قوله تعالى في سورة الحديد [لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس..]. الآية. وقوله تعالى: [بأس شديد] فيه إشارة للصناعات الحربية، وقوله تعالى ومنافع للناس فيه إشارة للصناعات المدنية. ونحن للأسف لم نصنع أي منها بل إننا كل على غيرنا، إننا نستورد السلاح الذي ندافع به عن أنفسنا، فإذا كف الغربيون أيديهم عن إمدادنا بالسلاح فلن نستطيع أن ندافع عن أنفسنا، ونحن بلاد زراعية ومع ذلك نستورد نصف أقواتنا أو أكثر، فإذا كنا نستورد قوتنا وسلاحنا فنحن متخلفون قطعاً.
لقد حاولنا النهوض منذ عهد محمد علي وخطونا فيه خطوات.. وكان ذلك تاريخيا مع اليابان أو قبيل اليابان.. فأين اليابان وأين نحن؟. وكوريا بدأت بعد الحرب العالمية الثانية ومنتجاتها الآن تغزو أسواق أوروبا وأمريكا. إن البعض يقولون إن الإسلام هو المسئول عن تخلفنا، وأنا أقول إن العكس هو الصحيح، فالإسلام دين التقدم العلمي والحضاري وهو الذي صنع الحضارة الإسلامية المتوازنة والمتكاملة والمتميزة التي كانت مصدر إشعاع للعالم في ذلك الوقت. لقد كانت جامعاتنا موئلا لطلاب العلم في العالم أجمع، وكانت لغتنا هي لغة العلم التي كتب بها الطب والفلك والفيزياء والكيمياء.. الخ. والآن يزعمون أن جامعاتنا ولغتنا عاجزة عن استيعاب هذه العلوم الحديثة. لقد كان الشباب في أوروبا إذا أراد أحدهم أن يثبت للآخرين أنه مثقف يتكلم ببعض الكلمات العربية كما نفعل نحن الآن مع اللغات الأوروبية. وكانت أسماء علماء المسلمين هي أشهر الأسماء في العالم كله. ففي الطب كان هناك الرازي وابن سينا والزهراوي وابن رشد وابن النفيس، وفي الكيمياء جابر بن حيان وفي الطبيعيات والبصريات الحسن بن الهيثم. ولو نظرنا إلى علم الطب لوجدناه قد قام على جهود هؤلاء الأفذاذ، التي كانت كتبهم هي المراجع العالمية المعتمدة مثل القانون لابن سينا والحاوي للرازي والكليات لابن رشد..الخ.
هذه هي حضارتنا التي استمرت قرونا ولم يحدث فيها ما حدث في حضارات أخرى بين العلم والدين، لأن العلم عندنا دين والدين عندنا علم. وعلماؤنا الكبار قالوا إن كل علم يحتاج إليه المسلمون في دينهم ودنياهم فإن التبحر فيه فضل كفاية، وكذلك الصناعات التي يحتاج إليها الناس. إن الأديان الأخرى يقوم فيها الإيمان على الوجدان وليس على العقل، أما في الإسلام فالدين والإيمان يقومان على العقل والبرهان والتثبت، قال تعالى [قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين].
ولا بد أن يكون الإيمان عن بينة ودليل وبصيرة.. ومؤرخو الغرب أنفسهم يعترفون بذلك.. إن في حضارتنا كثير من العلماء والمشاهير الذي نشأوا نشأة دينية وتثقفوا ثقافة دينية ومع ذلك برعوا في العلوم المختلفة وقامت الحضارة على إسهاماتهم. فابن رشد أعظم فلاسفة المسلمين على الإطلاق وأعظم شارح لأرسطو والذي عن طريق هذا الشرح انتقلت فلسفة أرسطو إلى أوروبا.
هذا الرجل درس اللغة والقرآن والفقه، ومع هذا فهو طبيب من أعظم أطباء العالم وكتابه 'الكليات' من أعظم كتب الطب في أوروبا، وهو مع ذلك القاضي ابن رشد من مشاهير قضاة الحنفية، وهو فقيه موسوعي وأعظم ما كتب في الفقه المقارن هو كتابه 'بداية المجتهد ونهاية المقتصد'. والفخر الرازي كان إماما في التفسير وإماما في علم الكلام وعلم الأصول وهو كذلك طبيب. وابن النفيس كان أحد فقهاء الشافعية، والخوارزمي أسس علم الجبر واخترعه ليحل مشاكل المواريث في علم الفقه.
وهكذا فإن الإسلام لم يقف في وجه الحضارة والتقدم بل هو الذي صنع الحضارة والتقدم، وإذا كانت مظاهر الحضارة الإسلامية قد ظهرت في العصر العباسي فإن أسس هذه الحضارة وضعت في عصر النبوة.
وأضاف د. يوسف القرضاوي أن الحضارة الإسلامية لم تنشأ من فراغ وإنما نشأت في أمة متهيئة وفي بيئة ومناخ أقامه الإسلام، والذي هيأ هذه البيئة لهذه الحضارة هو القرآن الكريم. وأهم ما فعله القرآن هو أنه صنع العقلية العلمية التي ترفض أن تؤسس أمورها على الظن والوهم ولكن على الحقيقة واليقين. فقد رفض القرآن اتباع الظن والأهواء والعواطف.. فقال [مالهم به من علم إلا اتباع الظن] وقال [إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون]. كما رفض القرآن التقليد الأعمى، فرفض تقليد السادة والكبراء والزعماء [وقالوا ربنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل]. ورفض تقليد الآباء في الإيمان [إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون]. كما نهى الإسلام عن تقليد الغير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لا يكن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس إن أحسنوا أحسنت وإن أساءوا أسأت]. فالإنسان لا ينبغي أن يفكر برأس غيره ولكن يفكر برأسه هو، وابن الجوزي يقول: 'اعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلد كأنما أعطاه الله العقل ليفهم به، وقبيح من أعطاه الله شمعة أن يطفئها ويمشي في الظلمة'. وقد عرض لنا القرآن نماذج وصور يوم القيامة للذين اتبعوا والذين أتبعوا ثم في النهاية جعل اللعنة على الجميع [قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون].
والقرآن ما لبث يقول [أفلا تتفكرون].. [لقوم يعقلون]..[ لقوم يعلمون] فالفكر والنظر والرأي والحجة والبرهان كلمات لا نجدها في الكتب والديانات السابقة ولكن القرآن يستخدمها بكثرة ويكررها عشرات ومئات المرات.
وهكذا فإن القرآن يحاول أن يخلق الإنسان الذي يفكر.
والمشتهر عند علماء المسلمين أن تفكر ساعة خير من عبادة سنة، وفي سورة سبأ دعوة عظيمة للتفكر.. [قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا]. أي أخلصوا لله في طلب الحقيقة، فتفكر أنت وصديقك فإن لم يكن فأنت وحدك ومع نفسك بعيداً عن تفسير العقل الجمعي، فالإنسان في الجماعة ينسى نفسه ويفكر بعقل الآخرين، والإنسان حينما يفكر مع نفسه بصدق يبتعد عن تفسير المجاملات والحسابات.. وهكذا فإن العقلية العلمية التي أنشأها القرآن أهم من الإشارات الإعجازية التي يهتم بها بعض المسلمين... والقرآن بذلك هيأ المناخ لتقوم فيه الحضارة الإسلامية.
واستطرد د. القرضاوي قائلا: إن القرآن لم يكتف بتكوين العقلية العلمية بل حدد للإنسان أهداف حياته، وهذه الأهداف حددها الراغب الأصفهاني في مقاصد ثلاثة:
المقصد الأول: هو العبادة كما يقول القرآن [وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون].
والمقصد الثاني: هو الخلافة أي أن يكون الإنسان خليفة لله في الأرض يقيم فيها الحق والعدل [قال إني جاعل في الأرض خليفة].
المقصد الثالث: هو عمارة الأرض [هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها]. أي طلب إليكم أن تعمروها. وهذه المقاصد الثلاثة متداخلة ومتكاملة والمسلم يعبد ربه بها. والتقدم الإنساني ليس تقدما ماديا فقط. فالمنظور الإسلامي لا يعمر الأرض ويخرب الإنسان، بل يعمل على عمارة الأرض وعمارة الإنسان، ويعمل على إحداث التكامل بين الروح والمادة..بين العقل والقلب.. بين المثال والواقع.. بين الدنيا والآخرة.
والإسلام أعطى الدوافع للإنسان كي يتحرك، فقد يكون الإنسان لديه هدف ولديه عقلية جيدة ولكنه قد لا يكون لديه الحافز، ولا يوجد حافز أعظم من الإيمان. ومن أكبر السلبيات في حياتنا المعاصرة أن أمتنا لم تجد أهدافا كبيرة تعيش بها. إن العرب فتحوا بلاد الفرس والروم لأنهم أحسوا أن عليهم رسالة عالمية، وأنهم أمة لم تخلق لنفسها بل خلقت وأخرجت للآخرين، فهي أمة ذات رسالة وحينما أحست بهذه الرسالة انطلقت في الآفاق. وقد عبر عن هذه الرسالة صحابي ليس من علماء الصحابة ولكنه تربى في مدرسة النبوة وهو ربعي بن عامر في حديثه مع رستم قائد الفرس الذي سأله من أنتم فقال ربعي بن عامر: 'نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام'. وهكذا وجد المسلم لديه الحافز ليخدم العلم ويبني الحضارة، لأن العلم أصبح عبادة مادام قد جند نفسه لله، ففي هذه الحالة تصبح الدنيا محرابا كبيرا للمسلم.
فهو إذا تعلم وعمل وأتقن عمله فإنما يفعل ذلك لله [قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين]. لقد اختلف علماؤنا في أي الحرف أفضل ..فمنهم من قال الزراعة أفضل لقول رسول الله [ما من مسلم يزرع زرعاً أو يغرس غرساً إلا كان له به صدقة]. وقال آخرون بل الصناعة أفضل لقول رسول الله [ما أكل أحد طعام قط أفضل مما يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده]]. فكان داود عليه السلام يعمل حداداً.. وقال آخرون بل التجارة أفضل لقول رسول الله [التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء]. إلا أن بعض المحققين قالوا ليس هناك حرفة أفضل ولكن ما تحتاجه الأمة هو الأفضل، فلو احتاجت الأمة إلى السلاح فصناعته هي الأفضل وهكذا.
الأسباب الحقيقية لتخلف المسلمين
وأضاف د. القرضاوي أن بعض الناس يقدمون أسبابا غريبة لتخلفنا فبعضهم يقول إن سبب ذلك هو انهزام المعتزلة أمام أهل السنة..أي انهزام المدرسة العقلية وأحرار العقل أمام المدرسة التقليدية النصية. وهذا سبب غير حقيقي فالمعتزلة كان مجال عملهم هو الميتافيزيقا وما وراء الطبيعية، واهتموا بالجدل والفلسفة التي تأثروا بها بالفلسفة اليونانية وأثاروا قضايا لا معنى لها، وكان لها أثرها السلبي في التاريخ والفكر الإسلامي مثل معركة خلق القرآن. وأحرار الفكر هؤلاء 'المعتزلة' استعملوا السوط والسجن في معركتهم، وما فعلوه بالإمام أحمد بن حنبل معروف للجميع.
كما أن المعتزلة لم يكونوا في موضع العقلية العلمية التي تشتغل بعلوم الحضارة. ثم إن العلوم ازدهرت بعدهم على أيدي ابن سينا والفارابي والكندي والبيروني وغيرهم. والبعض الآخر قال إن سبب تخلف المسلمين يرجع إلى الإمام أبو حامد الغزالي تلميذ المدرسة النظامية لأن هذه المدرسة انتصر فيها الفكر الديني على الفكر السلفي. وإن الغزالي في تهافت الفلاسفة ضرب الفلسفة ضربة لم تقم لها بعده قائمة. ونحن نرد على ذلك قائلين إن فلسفة تموت بكتاب واحد لا تستحق الحياة، كما أن الفلسفة لم تمت بعد الغزالي، والمعتزلة لم ينتهوا، فالفلسفة أنجبت بعد ذلك ابن طفيل وابن باجه وابن رشد والاعتزال أنجب الزمخشري والقاضي عبد الجبار.
إن أسباب تخلف المسلمين كثيرة منها ما هو سياسي ومنها ما هو اجتماعي يتعلق بالاسترخاء وشيوع الترف، ومنها ما يتعلق بالجوانب السلوكية في حياتنا حيث انتشر بيننا التصوف الأعجمي وانتشرت أفكار الصوفية التي تطلق الحياة وتترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أفكار أشاعت الجبرية في العقيدة، والسلبية في التربية، والبدعية والشكلية في العبادة، والحرفية في التفسير والظاهرية في الفقه.
لقد أصبح التقليد هو السائد في الفقه وعمت المذهبية وسمعنا من يقول لا يجوز الخروج عن المذهب وأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان وما ترك الأول للآخر شيئا.
وفي الأدب انتشرت المحسنات اللفظية واختفى الإبداع الحقيقي. حتى في الصناعة اختفى الإبداع والابتكار، وهكذا ضرب الجمود حياتنا كلها. وفي هذا الوقت كان الغربيون قد اقتبسوا من المسلمين منهج العلم فبدءوا يستيقظون وبدأنا نغط في نوم عميق، واستمر نومنا واستمر استيقاظهم إلى أن حدث ما حدث، واستعمر هؤلاء البلاد الإسلامية كلها وبدءوا في تطويع عقولنا قائلين لنا إننا خلقنا لنقاد لا لنقود، وخلقنا لنبتدع لا لنبتكر. وأنظمتنا التعليمية مسئولة أيضا عن هذا التخلف فهي لا تعطي الفرصة لتخريج النوابغ والمبتكرين بالقدر الكافي.
إن أمريكا منذ عدة سنوات شكت من تدهور نظامها التعليمي وأعدوا تقريرا اسمه [أمة في خطر] يقترح العلاج بالتعاون مع خبراء يابانيين.. إنهم أمة جادة.. صحيح أن عندهم نواقص كثيرة ولكن من فضائلهم أنهم يعالجون أخطاءهم، ولذلك فعلينا أن نعيد بناء أنظمتنا التعليمية من جديد حتى تخرج الطالب الذي يحب دينه وأمته ويعبد الله بأن يفكر وأن يعمل.
ونظامنا السياسي مسئول عن هذا التخلف.. إن الحرية تصنع المبدعين والاستبداد يقتل الإبداع. إن عنترة بن شداد لما رآه أبوه أسوداً تركه مع العبيد يرعى ويحلب وحينما هوجمت قبيلة عبس وأوشك الأعداء أن يدخلوا إلى الحريم دعاه أبوه ليقاتل فقال عنترة قولته المشهورة 'إن العبد لا يحسن الكر ولكنه يحسن الحلابة والصر'. فقال له أبوه 'كر وأنت حر'.. وهنا هاج عنترة كالوحش حتى هزم أعداءه.. إنه فعل ذلك حينما اعترف به إنسانا حراً.. أما إذا كان الإنسان لا يأخذ حقه ويشعر أنه غريب في بلده وأن ثروة بلده منهوبة وليست ملكا له فعندئذ سيموت حياً ولن يستطيع أن يقدم شيئا.
وهناك أمر آخر يجب الانتباه له وهو أننا لن ندخل عصر التكنولوجيا فرادى ولن نستطيع ذلك إلا مجتمعين.. وإذا ظلت القطرية في تفكيرنا فلا أمل في التقدم. إن الدول الكبرى تشترك مع بعضها في صناعة طائرة.. هؤلاء نسوا الصراعات القديمة وأصبح لديهم السوق الأوروبية والبرلمان الأوروبي، أما نحن فالصراعات بيننا تتزايد.. كما أنه ليس من مصلحة العرب أن ينفصلوا عن المسلمين ويخسروا هذه الكتلة البشرية الكبيرة التي تصل إلى 1.3 مليار مسلم.
ونحن أيضاً لن يمكننا التقدم بدون تعبئة إيمانية وأخلاقية. إن البعض يقول وما دخل الإيمان والأخلاق بالحضارة والصناعة؟ لكنني أقول: إننا أمة متدينة ولن نستطيع أن نتقدم إلا بالدين. إذا كنا نريد زرع فضيلة الصدق فيجب مخاطبة الناس في هذا المضمون بالخطاب الديني وتعريفهم أن هذا شرعي وثوابه كذا وعقابه كذا وأن الصدق جزء من الدين. إن الإيمان في هذه الأمة يصنع العجائب والمعجزات وهذا ما ينبغي أن نغرسه في أعماق هذه الأمة، فلا يمكن لأمة أن تصنع حضارة وهي ليس لها مشروع متكامل ولا رسالة تميزها عن غيرها. إن الأمة ينبغي أن تشعر أن لها هدفاً ومشروعاً يميزها عن الآخرين. والذين يظنون إن الإيمان والأخلاق بعيدان عن هذه التعبئة واهمون، كما أننا في حاجة إلى جهود مكثفة للتخلص من المورثات التي تعطل انطلاقنا. إن لدينا رواسب من عصور التراجع الحضاري.. فليس كل ما ورثناه صحيا، لذلك فلا بد أن ننقي تراثنا حتى لا يبقى إلا الصحيح، كما ينبغي أن نخلص الأمة من الغريب والدخيل عليها .. فهذه الأمور الدخيلة غيرت فعلا طبيعة أمتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.