كثيرون، يشكّكون في أهمية وقيمة أدبنا، وفيهم من يرفض قراءة هذا الأدب ويعتبره غير جدير بالقراءة، ولا فائدة من تبذير الوقت الثمين في تناول أعمال (قليلة الأدب). وفي المقابل نرى هؤلاء يهرولون الى الأعمال الشرقية يطالعونها ويمدحونها، يمجّدونها حتى تلك التي تفتقر الى أبسط شروط الإبداع. ففي اعتقادهم كل ما ينجزه المشارقة هو رائع، وممتع، وصاحبه مبدع. وهناك آخرون يتناولون أدبنا بالقراءة في نطاق البحث عن العيوب، والأخطاء، للسخرية منه، فيجعلون من (الزلّة المطبعية) جريمة أدبية. ويحوّلون الخروج عن القواعد للضرورة الشعرية مثلا، إلى خطإ ناجم عن جهل وأميّة معرفية. وهؤلاء غير مستعدين للإعجاب بأي نص تونسي، مهما اجتهد كاتبه، فهم على اقتناع تام أن الأدب شرقي بالأساس، وكل المحاولات الأخرى هي مثل غربلة الماء لا معنى لها. وإليكم بعض التفاصيل الأخرى. * لا شعر بعد الشابي في مجال الشعر إذا جادلنا هؤلاء المشككين أو الساخرين من أدبنا، يتكرّمون برأي يبعدهم قليلا عن الشبهات، فيقولون : لا شعر بعد الشابي. و لو كنا مثلهم من العابثين لقلنا لهم: إذن تقرّون بوجود شعراء قبل أبي القاسم، والأكيد أنهم سيلوذون بالصمت لأنهم لا يملكون حتى المعرفة الضبابية بالذين سبقوا الشابي. ونواصل جدالنا ونقول ان منطق الساخرين غير منطقي، فشاعرنا الكبير يمكن أن نعتبره قدوة، أو المنطلق، أو البداية للشعر التونسي الحديث، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون الشابي هو البداية والنهاية باعتبار أن الحياة مازالت متواصلة، وبما أنه القدوة، فلا نظنّ أنه يقود الفراغ، إنه قائد جيش من الشعراء جاؤوا بعده. من ناحية أخرى نعرف جيدا أن المشكّكين أو الساخرين، حين يقولون : لا شعر بعد الشابي، إنما هم بذلك يحاولون إخفاء عدائهم لأدبنا، النّابع من انبهارهم الشاسع، الرّهيب والغريب بكل ما يكتبه المشارقة. وما يثير سخريتنا من هؤلاء، ان شعرنا التونسي ومنذ سنوات طويلة، هو الشعر المعتمد كنموذج جيد من قبل الكثير من النقاد العرب (والمشارقة بالخصوص) حتى أن أحدهم قالها صراحة : عدلوا ساعاتكم على الشعر التونسي.. فما رأي المشكّكين السّاخرين؟ * بين التملّص والتخلّص وفي مجالي القصة القصيرة، والرواية، نرى هؤلاء الغارقين في شكّهم العدائي، يضحكون عاليا ويسردون علينا أسماء المشارقة الذين كتبوا في هذين المجالين، ويقولون: أين أنتم من هؤلاء؟ إنكم تقتبسون، وتنقلون، وتقلّدون، ورغم ذلك لم تصلوا. وحين يدركون أنهم أساؤوا إلينا كثيرا، يبتسمون ابتسامة ماكرة، ويقولون: واللّه في الحقيقة والواقع، نعترف بمحمود المسعدي، والبشير خريف. صحيح أن هذين الأديبين من كبار أدبائنا لكنهما في الحقيقة ليسا البداية والنهاية، إنما هما القدوة. والواضح أن هذا الاعتراف من قبل هؤلاء المشككين ليس سوى مجاملة، وطريقة من طرق التملّص، والتخلص من الجدال. والواقع أن قصتنا القصيرة، وروايتنا أنتجتا إبداعا هو أعمق مما نقرأ الآن للمشارقة ونشر بعض كتابنا لأعمالهم في دور نشر كبيرة مثل دار الآداب، ودار رياض الرّيس للكتب والنشر، وغيرهما تعتبر شهادة تسخر من المشككين والساخرين. * متى يتواضعون ؟ وهذا المقال هو دعوة الى الذين نراهم دائما يتأبطون الصحف الاجنبية، وأعني العربية الصادرة في العواصم الأوروبية، نراهم لا يطالعون في جلساتهم إلا الكتب المشرقية دعوة إليهم ليتواضعوا، ويكون تواضعهم بمطالعتهم لأدبنا. ويقيننا أنهم سيربحون وسيستمتعون فنحن لا نرضى أن يحرموا أنفسهم من الاستمتاع بإبداعاتنا، وسوف ننسى ماضيهم، ونعتبرهم أصحاب سوابق في حبّ أدبنا التونسي. * كتبت هذا المقال بتحريض من مقال نور الدين بالطيب (لماذا الكتاب التونسي لا يقرأ؟) منشور ب»شروق الإبداع» بتاريخ (23 4 2004).