ربّما لا نجانب الصواب عندما نقول إنّ الكتب المطبوعة في المشرق العربي (كتابة وترجمة) في مختلف ضروب الابداع (سرد، شعر، نقد، سياسة، ايديولوجيا...) اكتسحت بشكل مدروس أفق القارئ العربي (قارئ اللغة العربية) بفضل أناقة طباعتها بشكل عام وبنصوصها النوعيّة، وتشهد معارض الكتب في مختلف العواصم العربيّة على تفوّق الكتاب المنشور والمطبوع في دور نشر مشرقية وخصوصا منها اللبنانية على باقي الدور، وهذه حقيقة لا يمكن أن ينكرها أحد، مثلما لا يستطيع أحدٌ أن ينكر اليوم، تطوّرَ مستوى الطباعة والنشر في تونس، بعد تناسل دور النشر الخاصة التي يديرها المثقفون وأهل الاختصاص، ومن هذه الدور نذكر دار مسكلياني للنشر والتوزيع التي يديرها الأستاذ والشاعر شوقي العنيزي. دخلت هذه الدار مغامرة جديدة وفتحت أُفقًا جادًا »لإعادة« القارئ التونسي والعربي عمومًا إلى مدارات الورق والحبر من خلال استحداثها لسلسلة مختصّة في الروايات العالمية، وأوكلت مهمّة الاشراف عليها للروائي التونسي ظافر ناجي، واختير لهذه السلسلة عنوان دالٌّ هو »ألف راء« وشرعت في تأثيث المشهد الروائي بإعادة نشر وطباعة علامات في الرواية العالميّة، وقد صدرت روايتان فارقتان في تاريخ السرد الطويل، الأولى بعنوان »حديقة الصخور« والثانية »ساعي بريد نيرودا«. ❊ حديقة الصخور ورد ضمن تقديم هذه الرواية أنّّها حُرّرت باللغة الفرنسية في »أجينة« سنة 1936 إبّان عودة المؤلف من رحلته الأولى إلى الشرق الأقصى، وهي أوّل محاولة روائيّة ينجزها كازانتزاكي قبل روايته الأشهر »ألكسيس زوربا«... ورواية »حديقة الصخور« للكاتب اليوناني نيكوس كازنتزاكي التي قام بتعريبها أسامة أسبر وعرّب مقدّمتها الأستاذ فتحي النصري في طبعتها الجديدة عن دار مسكلياني، يتجاذب متنها سياقات خصبة فمن أدب الرحلة إلى النقد الذاتي والقصّة التاريخيّة إلى السيرة الذاتيّة والقصيدة والفلسفة الصوفية. تتعانق جميع هذه المكونات بخيط الذريعة الروائية الرفيع، ومثلما كتب ظافر ناجي على امتداد صفحات الرواية تطالعنا المدن والوجوه في رحلة لا تنتهي بين عشرات الأماكن ومئات البشر... لاشيء من ذلك يهمّ فعلاً بقدر ما تهمّ التجربة من ورائها والحكمة من وجودها. ❊ ساعي بريد نيرودا »ساعي بريد نيرودا (صبر متأجّج)« هي أهم روايات الروائي الشيلي انطونيو سكارميتا المختص في الأدب والفلسفة والسينُوغرافيا، والنسخة التي أعادت نشرها سلسلة »ألف راء« هي من تعريب صالح علماني وقدّم لها ظافر ناجي حيث كتب عنها أنّها »رواية مجدولة من ضفائر حكايتين أساسيتين: حكاية حب فردية وحكاية ثورة شعبية« وقال عنها »إنّها رواية علامة في تاريخ الادب العالمي. روايةٌ الشعرُ مبدؤها ومنتهاها ومرجعها ومبتغاها، فكل وظائفها السرديسة وأحداثها المفصلية شعر على شعر... »ساعي بريد نيرودا« رواية تحوّلت إلى فيلم ثم إلى مسرحيّة ورشّحت إلى أكبر الجوائز العالميّة وتوجّت بالعديد منها... ❊ ألف راء الشعار الأنسب لهذه السلسلة التي تُغامر بإعادة نشر الروايات الأكثر قراءة في العالم هو ذاك الشعار القائل بأنّ الكتاب الذي لا يُقرأ أكثر من مرّة لا يستحق أن يقرأ ولو لمرّة واحدة، وهو شعار مؤسّس، لأنّه ببساطة يمنح من يتبنّاه صفة القارئ المختلف أو القارئ الكاتب ذاك الذي كلّما أعاد قراءة نصّ ما يخطو خطوة متقدّمة نحو كتابة نصّه من خلال القراءة... شعار ترفعه هذه السلسلة في زمن يجب أن تُرفع فيه ترسانة من الشعارات المحرّضة على القراءة.