بعد جولة خاطفة بين أرجائها يكتشف المرء، مدى عراقة وأصالة مدينة تونس، وجمالية عمرانها، وتناسق بناءاتها وقصورها واقاماتها الشامخة. وتعد دار لصرم من أجمل هذه الشواهد العمرانية من حيث الهندسة، وأساليب استغلال الفضاءات، والتمازج العجيب بين الجمالية التقليدية والروح التونسية الاصيلة. يعود تاريخ هذه الدار الى القرن الثامن عشر وتتجاوز مساحتها الجملية ألفي متر مربع. وفي الستينات من القرن الماضي قررت عائلة لصرم التفريط في هذه الجوهرة بالبيع فسارعت بلدية الحاضرة الى اقتنائها ثم القيام بعدة اصلاحات وترميمات أنفقت عليها الكثير من أجل انتستعيد الدار جماليتها، ورونقها وجاذبيتها، وتم بالفعل تهيئة الدار لتصبح قابلة للاستغلال كفضاء جمعياتي وثقافي وعمراني. دار الضيافةويعترض الداخل الى الدار «الدريبة» التي تعتبر من الاركان الاساسية لاقامات مدينة تونس وبعدها يلج الزائر الى دار الضيافة عبر مدرج مستقل مخصص للغرض. ويتميّز هذا الفضاء الذي كان موضوعا في السابق على ذمة ضيوف الدار فحسب بعدة خصائص هندسية، ومعمارية أهمها قطع الرخام الجميلة، والأعمدة المتقابلة والمتناسقة، وتظل الساحة الكبرى (Patio) القلب النابض للدار بأرضيتها الرخامية العجيبة، وأشكال الزينة المتناثرة هنا وهناك وخاصة ما يسمى بنقش الحديدة. وهذه الأشكال دليل ساطع على الذوق الرفيع الذي كان ينفرد به سكان مدينة تونس في تلك الحقبة من تاريخنا المعاصر. *خلفية جمالية وأكّد المختصون في هندسة اقامات وقصور مدينة تونس أن دار لصرم ليست دارا للسكنى فقط، فالى جانب توفير الفضاءات والقاعات والبيوت الشاسعة حرص اصحاب هذه الدار منذ الايام الاولى على اضفاء المزيد من الجمالية والجاذبية على الاعمدة والحوائط والأبواب والشبابيك بحيث يقع الزائر في حب المكان من أول نظرة. ويكفي التدقيق في الاشكال الهندسية، والتزيينية المستعملة من طرف بناة الدار للتأكد من الخلفية الجمالية لهؤلاء، فلا وجود لنشاز أو عدم تناسق في اي ركن من اركان الدار. كما أن المقيم او الزائر لا يشعر بأي غربة وهو يتجول بين أرجاء الدار، وذلك خلافا للفيلات والمنازل الحديثة والاسمنتية التي لا جمال فيها بل ويحس المقيم بداخلها او ضيفها العابر بأنه في مكان موحش ومعزول.