قد يكون الشأن العربي الذي يمر بتحديات جسيمة تمسّ وجود الامة بحد ذاته، يدخل في باب «في كل اعادة افادة».. فكل ما يمكن ان يتصل بحرب إبادة فعلية لشعب بأسره، نلمسه ونرصده في المشهد الفلسطيني. وبالتالي فإن ما تقدم عليه قوة الاحتلال الاسرائىلي في غزة وفي المخيمات الفلسطينية، يدخل تحت طائلة القانون الدولي وينصهر ضمن التعريف الذي ينصص على مفهوم الإبادة الجماعية او «الهولوكوست»، بل ان ما يحدث لشعب فلسطين يفوق التعريف الاصلي لكلمة Génocide «إبادة» التي تنص على النية في اتيان الفعل وليس المرور الى التنفيذ كما يشهد على ذلك العالم بالالوان وعلى المباشر عبر الشاشات.رغم هذا، نجد ان الطرف العربي لايزال عند نقطة الانطلاق في خصوص القضية الفلسطينية، مازال الفعل العربي يراوح مكانه، ينتظر الفعل الاسرائىلي المتمثل في الاجرام والغطرسة والقوة. لقد استمرّ الفعل العربي لكل عقود الاحتلال الاسرائىلي لفلسطين، بمثابة ردّ الفعل الذي يفتقد الى خلفية تاريخية وقاعدة فكرية واضحة، تتعاطى مع الاحتلال كما تعامل معه كل العالم في آسيا وأمريكا اللاتينية وافريقيا. بل ان العرب عمدوا الى سياسة مزدوجة في هذا المجال: الاولى تتميز بتفويت الفرص التي يمكن ان تمكّن العرب من التقدم بالقضية الفلسطينية باتجاه الحل القانوني المرتبط بالشرعية، زمن الثنائىة القطبية. وتتمثل السياسة الثانية التي توخاها العرب تجاه القضية المركزية في الوطن العربي، عبر ما يمكن ان نطلق عليه سياسة حائط المبكى.. اذ كثيرا ما ركن الساسة العرب وبعض المفكرين منهم المستقلين وغير المستقلين، الى الحل الشماع المتمثل في نظرية المؤامرة. ورغم ان الامة فعلا، تتعرض الى مؤامرة في شكل عنقودي، بحيث تلد كل مؤامرة مجموعة من المؤامرات بحيث أصبح المشهد العربي مجبرا، والردّ العربي على هذا المشهد اشد دفعا الى الحيرة. لكن الوضع الذي وصلت اليه الأمة من ركون الى القوي عوض الركون الى الحق والأمة صاحبة حق، اصبح هذا الوضع اذن مثيرا للجدل والتساؤل من غير العرب قبل العرب. فأول ملاحظة يسوقها امامك ملاحظ اجنبي تحمل في طياتها اكثر من سؤال حيرة ينتابه: لماذا وصل الحال العربي الى هذا الحدّ من التراجع والتنازلات وعدم القدرة على صياغة موقف موحد، يحمل في طياته جدلية الحرص على استرداد الحقوق الضائعة والتطوّر الفكري والحداثي في كل المجالات التي تجعل منها الأمم اليوم عناوين نهضتها. منذ ايام وقف الرئىس الامريكي يغازل اليهود في امريكا منظمات مهيكلة، فكال لهم من الاطراء والورود ما جعل امريكا كلها مدينة للعقل اليهودي، وان هذا الدعم الامريكي الذي يقدّمه بوش اليوم لاسرائىل والذي يرى فيه عدد من العقلاء انه غير مبرر، جعله بوش اطراء مستندا الى تبرير وهو ان اليهود قدّموا للحضارة الامريكية الكثير وهاهي واشنطن اليوم تردّ «الجميل» بأن تدعم تقتيل الفلسطينيين وإسالة دمائهم دون حسيب ولا رقيب، بل ان اسرائىل مجاز لها فعل ذلك امريكيا بالطبع لأنها تدافع عن نفسها... وان ما وقع من امريكا واقدمت عليه من دعم لاسرائىل في فلسطين كما العراق، انما هو البداية كما قال ذلك بوش بنفسه امام منظمة «ايباك» اليهودية، التي بدت فعالياتها في الولاياتالمتحدةالامريكية شبيهة بفعاليات دولة داخل دولة، وليست فعاليات اقلية ضمن دولة او مجرد مجموعة ضغط في دولة ذات مؤسسات ديمقراطية. هل استوعب العرب ما حدث في ذاك المؤتمر اليهودي، والحملة الانتخابية الامريكية على اشدها؟ بالتأكيد لا. لكن عزاء بعض المتفائلين ان هذه القمة العربية التي تنطلق فعالياتها اليوم بإمكانها ان تقدّم الجواب، الذي يجعل من الامة العربية امة متحركة ومستوعبة للتحديات التي تواجهها. هذه قمة تونس، وبإمكان العرب اليوم ان ينهضوا بالأمة ليجعلوا منها مشهدا انسانيا حرّا، يتوق الى الانعتاق من عقدة التردد والتخوف والتشتت. لهذا كله، فإن حال الامة لا يحتاج الى حائط مبكى» نلوم فيه الزمن على شماعته، بقدر ما نحن بحاجة الى ابصار قضايانا بالطريقة التي تشفي النفس العليلة... فقد انتقلنا من مرحلة لملمة الجراح في فلسطين الى مرحلة ضياع الحق عبر العراق وما يحدث له. واذا ما صدّقنا ما قاله الرئيس الامريكي لرئىسة منظمة ايباك وهو يخرج عن النص من ان ما تقترفه واشنطن ليس سوى البداية سواء في فلسطين او العراق، فإن الامة بحاجة الى اقوى من هبة واكثر من إرادة للوقوف. فالهامة العربية بحاجة الى ان تُرفع.