بعد تدحرجه في استطلاعات الرأي... وتدحرجه من على «البسكلات»... نهض جورج بوش ليخاطب الشعب الامريكي عن خطته القادمة في العراق... وأهم ما جاء فيها هو أن قوات الاحتلال باقية في العراق بعد 30 جوان... وأن الحكومة العراقية المعينة ستسندها حكومة ظل امريكية تتكون من مستشارين في كل وزارة... وكل هذا تحت غطاء ابراهيمي... ومع هذا يتحدثون عن «سيادة»... المهم هو أن النفط سيبقى عندهم والامن بأيديهم مع تواصل قتل الرافضين للاحتلال بذريعة مكافحة الارهاب... على الارض يرسم البيت ا لابيض تأبيد الاحتلال والنهب تحت غطاء أممي... أما الجانب الاخر الذي لفت انتباهي في خطاب بوش الساقط لتوّه من على البسكلات فهو اصراره على هدم سجن «أبو غريب» لمسح الفضيحة والعار الذي لحق بالامبراطورية... والحال ان تغيير الديكور هو حركة سينمائية وليست سياسية... ومع هذا فإن هذا البند احتل حيّزا في خطابه الهام الى الشعب الامريكي... طبعا لم يتحدّث بوش عن أسلحة الدمار الشامل التي هدم العراق من أجلها... ولم يتحدّث عن سرّ استبدال الزهور بالقنابل عند المحتفين بالاحتلال... ولم يتحدث عن علاقة العراق باحداث 11 سبتمبر... ولم يتحدث عن القانون الذي خول له سجن رئيس دولة وتعيين مسؤولين مستوردين تحت علامة «صنع في امريكا»... ومن حقي اذن ان اشك في نواياه وهو يحرص على هدم سجن «أبو غريب»... هو يدرك ان الحركة السينمائية في اسقاط تمثال صدام كرمز لتحرير العراق لا يساويه وقعا الا بقاء «أبو غريب» كرمز للحرية على الطريقة الامريكية... فهو عصارة الكذب والحقد والاذلال... ويعرف بوش ان كل مدينة في الغرب لا تخلو من متحف او سجن تحول الى مزار او مقبرة لتشهد بما يسميه المتعاطفون مع اسرائيل «بالمحرقة النازية»... حتى تدوم عقدة الذنب ويستثمر الذنب بالمساعدات والخطايا الازلية وبالمساندة للظلم الصهيوني... وبما أن سجن «أبو غريب» يختزل كل هذه المعاني في حق العراقيين فإن الهدم يعني طمس معالم الجريمة الكبرى والمؤمّل هو اكتساب عذرية جديدة... هو لم يأت للعراق بالحرية ولكنه سيعوض لهم ببناء تمثال يجسّد الحرية... ولكن هل يشبع من يلعق الجدران... هل ستزول الحروق من الذاكرة... هدموا ونهبوا متاحف العراق التي تجسّد النبوغ الحضاري والانساني وها هم يستكثرون عليه حتى مجرد متحف يجسّد عذاباتهم... ويذكر بما فعله المحتلون... لهذا كله يجب ان يبقى «أبو غريب»... وهو في النهاية أقدس من بناية الحكومة المؤقتة... لأنه على الأقل ضم رجالا احرارا... قالوا لا لاغراءات الشعارات الامريكية وقالوا لا وهم تحت التعذيب... لهذا يطلبون رأس «أبو غريب».