تونس الشروق : أبرمت الهند وروسيا واسرائيل خلال الأسبوع الماضي صفقة عسكرية اقتنت بمقتضاها الهند طائرات روسية حاملة لتجهيزات استكشاف اسرائيلية بما يجعل حسب الخبراء كل باكستان تحت المنظار الهندي. واذا كانت هذه الصفقة الهامة قد أحيت المخاوف الدولية التقليدية من سباق التسلح بين الهند وباكستان فإنها أكدت من ناحية أخرى التحالف بين الهند واسرائيل... وروسيا لتتوضح بذلك أكثر فأكثر «خارطة تحالفات» معقّدة في جنوب وجنوب غربي آسيا وفي آسيا عموما لأن كل التحركات الرامية في تلك المنطقة الى اقتناء المزيد من الأسلحة أو تطوير التسلح غيرالتقليدي، انما يدفع بها التنافس الضاري بين دول المنطقة المختلفة. وعندما تم الاعلان عن الصفقة الهندية الروسية الاسرائيلية قال المسؤول السابق عن جهاز المخابرات الباكستاني ببرودة دم، وبعيدا عن اي ردود انفعالية ان بلاده سوف تعمل على توفير نفس القدرات محددا الجهات التي بإمكانها ان توفر لباكستان مثل هذه التجهيزات! وبمجرد الاعلان عن هذه الصفقة على الأقل فإنه يمكن القول ان باكستان بدأت فعلا سباقها للحصول على أسلحة بنفس مواصفات التجهيزات التي حصلت عليها الهند. حروب وتنافس بين الهند وباكستان وخاصة من وجهة نظر باكستانية فإن مجاراة نسق التسلح الهندي هو مسألة حياة أو موت فالبلدان يختلفان بشأن السيادة على كشمير منذ استقلال باكستان والهند عن الاحتلال البريطاني وانفصال باكستان عن الهند سنة وقد خاضا ثلاث حروب. وتعتقد باكستان ان الهند تمتاز مقارنة بها بدعائم استراتيجية في أي حرب ضدها من ذلك العمق الاستراتيجي الكبير والامكانيات الديمغرافية وأسبقيتها في الحصول على الأسلحة غير التقليدية وخاصة منها النووي... ولذلك فإن التصعيد في سباق التسلح والذي عادة ما يبدأ على الجانب الهندي يفترض بالضرورة ردا على الجانب الباكستاني وهكذا فإن باكستان عندما قامت الهند سنة بتفجيرات نووية وعددها خمس وكانت قامت بالتجربة الأولى سنة ردت مباشرة وقامت بست تفجيرات اي نفس العدد الذي قامت به الهند. وبذلك فإن سعي باكستان للحصول على نفس التجهيزات التي حصلت عليها الهند هي مسألة حتمية. خارطة معقدة واذا كانت باكستان تجاري الهند في تطوير قدراتها العسكرية وذلك يعود الى التراكمات الدينية القائمة بين المسلمين الذين يشكلون اليوم سكان باكستان وكانوا يشكّلون في السابق أقلية مقارنة بالسكان الهندوس في الهند. اضافة الى الخلاف بين البلدين حول كشمير.. فإن الهند تضع نصب عينيها في سباقها لتطوير قدراتها العسكرية خاصة الصين وهي تعتبر باكستان خطرا ثانويا مقارنة بما يمكن ان تمثله الصين عليها من مخاطر، وتقف الهند في تقييم قدراتها العسكرية ازاء الصين نفس الموقف الذي تفعله باكستان في تقييم قدراتها العسكرية ازاء الهند عندما تعتبر ان الهند تمتلك نقاط قوة استراتيجية مقارنة بما لديها من امكانيات... واذا كانت الهند تحظى بدعم روسيا فإن باكستان تحظى طبقا لكل ما سبق بدعم الصين. وتتشكل هذه التحالفات على رواسب عديدة وتراكمات كثيرة من الخلافات والحروب والافكار المسبقة. كما تتغذى باسقاطات الصراعات والتحالفات الآتية من خارج المنطقة، فالولايات المتحدةالأمريكية وعلى الرغم من تدخلها سنة بين الطرفين بادعاء دم الانحياز وعلى الرغم من «التقارب» الكبير مع باكستان في حربها ضد الارهاب، الا انها تدعم الهند في حقيقة الامر كما انها تنظر بعين الريبة الى وصول باكستان الى مرحلة القنبلة النووية على الرغم من تأكيد اسلام اباد التزامها بعدم نقل التكنولوجيا النووية الى دول أخرى وخاصة منها الاسلامية وعلى الرغم أيضا من تأكيدها بأن القنبلة التي وصلت اليها هي قنبلة باكستانية وليست قنبلة «اسلامية» كما قد يكون دار بأذهان بعض المسلمين هنا أو هناك... القنبلة العربية؟ وامتلاك باكستان الاسلامية القنبلة النووية هو الذي يجعل اسرائيل تحشر أنفها في مسرح أحداث جنوب غربي آسيا. وقد كانت حريصة جدا على اقامة تحالف استراتيجي مع الهند على الرغم من تأكيد المسؤولين الهنود بأن العلاقة مع اسرائيل ليست على حساب علاقات الهند المتطورة مع الدول العربية... وفي كل تفاصيل هذا الصراع يظل العرب «طرشان الزفّة» كما يقول الأشقاء في مصر فلا هم استطاعوا أن يستقطبوا الهند و»يمنعوها» من اقامة علاقات عسكرية استراتيجية مع اسرائيل، ولا هم استطاعوا ان يستميلوا باكستان حتى يكون بإمكانهم فعلا ان يقولوا إن ما لدى باكستان هو «قنبلة اسلامية» وكلنا يذكر ان باكستان سارعت الى توضيح اللبس عندما هلل البعض في ديار العرب بمقدم «القنبلة الاسلامية» ليؤكد مسؤولون باكستانيون ان القنبلة «باكستانية»! ولا هم استطاعوا أن يرتّبوا تحالفات مشروعة كما تفعل الهند والصين وباكستان... واسرائيل... ولا هم استطاعوا ان يتحدّوا وان يفرضوا «القنبلة العربية» حتى وان اقتضى الأمر «أكل العشب» في سبيل تحقيق ذلك وهي العبارة الشهيرة التي تحدى بها الزعيم الباكستاني علي بوتو عندما انكشفت قدرات الهند النووية... اذ انه وعلى الرغم من كل ما يقال حول الانتشار النووي وحول معاهدة الحد من الانتشار النووي فإن امتلاك السلاح النووي يظل في حد ذاته قوة ردع سحرية. وقد رأينا سنة عندما جاهرت باكستان بإعلان امتلاكها النووي، أن «نادي الكبار» أرغى وأزبد ولكنه قبل الأمر الواقع بعد أشهر. والعرب في موقع يفترض ان يكونوا قد عملوا فيه على الحصول على ما يعادل النووي الاسرائيلي بعد أن أصبحت اسرائيل تهدد صراحة في كل اتجاه...