بت مقتنعا أن النظام العالمي الجديد نجح في عولمة قطاعين: الارهاب من جهة والكذب من الجهة المقابلة.. الفقراء (في المخ أو في الجيب) يستثمرون في قطاع العنف والأغنياء المترفون حولوا الكذب الى صناعة ثقافية وعسكرية رابحة.. ما يجري في العراق وفلسطين ما هو إلا القليل الظاهر من جبل الجليد.. غير أن آخر كذبة شدّت انتباهي حدثت قريبا منا.. في فرنسا.. إمرأة ادّعت أنها تعرضت هي ورضيعها الى اعتداء بالعنف الشديد في القطار من طرف مجموعة معادية للسامية.. آثار الاعتداء خدوش في وجهها وكدمة زرقاء في جبين الرّضيع وتعابير ورموز نازية في نافذة القطار.. قامت الدنيا ولم تقعد.. الجمهورية «المذنبة» بحق اليهود تعتذر وتندد وتهدد هؤلاء الذين يواصلون مسلسل إيذاء ضحايا هتلر.. الرئيس شيراك عبر عن حزنه العميق وكاد يبكي.. الوزير الأول قطع شعره.. وزير الداخلية قال شعرا في عذاب اليهود وتوعد الفاعلين.. في مجلس النواب تناوبت كل الأحزاب وزايدت على بعضها البعض في تعميق «خطيئة» النظام الجمهوري.. وكادوا يعلنون جبهة موحدة بحكومة ائتلافية للقبض على الجناة. طبعا لم يغب زملاؤنا الصحفيون عن الحدث.. صحافة حرّة وديمقراطية.. أليس كذلك.. فهم الذين أعلنوا الخبر وأقاموا بيوت العزاء.. أربعة أيام بالتمام والكمال وهم يحلّلون ويستجوبون وينبشون في التاريخ القريب والبعيد لإبراز المأساة التي يعانيها اليهود.. وكانت هناك تلميحات كثيرة ومتنوعة الى الجناة.. والأفضل أن يكونوا أصحاب بشرة سمراء وغير فرنسيين.. وربما ملتحين.. كل الصحف.. كل التلفزات أفردت صفحاتها الأولى للحدث الرهيب.. وفجأة انفجرت قنبلة في البحث.. الفتاة تعترف أمام القرائن أنها كذبت وأنها اخترعت الحكاية من أولها الى آخرها.. موجة من العرق البارد.. عرق الخجل غطّى الايليزيه والكاي دورسية ووزارة الداخلية وبالخصوص جهابذة الصحافة المتصهينين.. لو كانت هذه هي المرة الأولى لهانت.. ولكن قبل فترة قصيرة ادّعى رجل أنه يتعرض للتهديد والسب هاتفيا من قبل معادين للسامية.. وبعد البحث تبين أنه هو الفاعل الحقيقي.. كان يستعمل «تاكسيفون» ليطلب رقم بيته ثمّ يسجل الثلب العنصري على «الرّيبوندور».. فكيف يقع كل هؤلاء في الفخ وهم من الوزن الثقيل.. إنه الجو العام الذي يسود العالم.. وانها حنكة استغلال «اللوبي إياه» لتأبيد عقدة الذّنب.. وإنها عقدة كل رجال السياسة في الغرب في طريق الانتخابات.. والصورة واضحة.. العربي مشروع ارهابي.. واليهودي مشروع ضحية..