لم أكن أتصور أن يأخذ المغفور له رونالد ريغن كل هذا الحيّز في بعض صحافتنا.. لقد اختار الرجل المناسبة الجيدة ليسجل حضورا مكثفا.. مات يوم 6 جوان ذكرى الغزو الامريكي لأوروبا (هكذا يسميها الأمريكان) أو ذكرى الانزال (كما يسميها الأوروبيون)... وهكذا خيّم شبحه على الاحتفالات العملاقة التي أقيمت في فرنسا.. ولا ننسى أن ريغن هو الرجل الذي قتل الاتحاد السوفياتي بالسكتة القلبية.. وخلافا لبوش لم يطلق رصاصة واحدة ليصرع الدب.. لقد تحولت الاحتفالات الى مناحة وكأن الرجل الذي عمره 93 عاما مات في عز العطاء والشباب.. وحسب تقاليدنا ولكي أخفف من ذنوب الرجل فإني سأستحضر الابتسامة.. على لسانه، ومثلما كتبت أخيرا عن «التصريحات الغبية» لجورج بوش الابن هذه بعض نوادر الرجل الذي مرّ من السياسة في السينما (كان مسؤولا في نقابة الممثلين) الى السينما في السياسة عندما صار رئيسا.. شأنه شأن السابقين واللاحقين.. يوم 11 أوت 84 كان ريغن يستعد لخطاب إذاعي موجها للأمة.. ولم يكن يدري أن الارسال مفتوح عندما قال مازحا: أيها المواطنون يسعدني اعلامكم أني أمضيت منذ لحظات على قرار مسح الاتحاد السوفياتي من الخريطة.. وسيبدأ القصف الجوي بعد خمس دقائق».. في زيارته الى البرازيل وأثناء العشاء الرسمي رفع ريغن كأسه على نخب «الشعب البوليفي».. ولما لاحظ حرج الحاضرين استدرك قائلا: «إنها محطتي القادمة في جولتي» ومرة أخرى أخطأ لأن المحطة الموالية كانت كولمبيا، تليها كوستاريكا ثم الهندوراس.. وفي عام 1980 وردّا على هجوم كارتر حول مشاكل البيئة قال ريغن «ان الاشجار تلوث البيئة أكثرمن السيارات».. فور فوزه بالرئاسة صرح رونالد «إننا نسعى الى الرفع من البطالة وأعتقد جازما أننا سننجح في ذلك».. أما نسبة الفقر في البلاد «فإنها بدأت في الانخفاض ولكنها تواصل ارتفاعها».. ويقول المرافقون لريغن أنه كان يغلبه النعاس فيسرق غفوة أثناء الاجتماع بأعضاء إدارته ولقد حدث أن «شخر» لدى لقائه بالبابا في روما.. ومع كل هذا فإن الأمريكان يبكون اليوم على هذا الرجل لا لأنه وحيد زمانه وإنما المقارنة بينه وبين بوش الإبن هي التي بلّلت عيونهم.. فأخطاء ريغن لغوية وهو ظريف خفيف الظل أماأخطاء بوش الإبن فهي دموية وقاتلة.. أدخلت العالم في دوامة وحولت الحياة الى جحيم على طرفيه ارهاب الدولة وارهاب الجماعات.. وما بينهما كذب عابر للقارات.. إنه عالم الخوف والرعب..