يواصل الشاعر سالم المساهلي في مجموعته الثانية: ماذا لو يبوح النخل؟ صياغة عالمه الشعري الذي بدأ يتأسّس مع باكورة أعماله «أشواق الخيل». ينهض هذا العالم على الحلم بالوطن الأكبر والأجمل الذي يرى المساهلي أنه تحقق سلفا في نموذج مثالي لذلك لاذ الشاعر بالذاكرة منها يقتات ويتواصل: أعود إلى الذكرى أقدّ خيوطها ومن عبق التاريخ يقتات حالم والذاكرة زاخرة برموز مترعة بالنّور (الفرسان، الأجواد، الخيل، النخل، الزيتون). يقول في قصيدة «مهر الأجواد» مخاطبا علي بن غذاهم: فذكرك طود يعتليه أماجد وربعك حصن للرجال وعاصم ويصدح متغنيا بالشابي في «نشيد الإنشاد»: كذا عودة الفاتحين انبلاج لذكرى نصيّرها مشهدا ويقول أيضا: لذكراك اكتمال الرشاد وصون الوداد وحرف النّدا تمتد الذكرى بذلك نخلة شامخة مضادّة للانهيار الذي تؤشر إليه قتامة الواقع المأزوم يعبر الشاعر عن ذلك بحرقة أقرب إلى الهجاء: فكيف ببعض الكائنات هجينة تراود فينا خيلنا وتغازل؟ وكيف تدانى نخلنا خطراتهم ولاة الخطايا كلها والرذائل؟ إذا ركب الدنيا غرير مهلوس تجرأ باغ واستبيحت حلائل (من قصيدة الفارس الذي لن يترجّل) ويؤكد هذا المعنى في (نشيد الانشاد): تجيش بنا الأمنيات العظام لنسلمها غيلة للرّدى ويستنكر الواقع راثيا: فكيف استطبنا عطايا العلوج وينبوعنا رافدان ونيل؟ وإن العطايا اختلاس خفيّ لأرواحنا واتباع ذليل (من قصيدة أمتي) بل إن الشاعر يتمرد على الهجاء والرثاء بما هما حالتان انفعاليتان تنفيسيتان: هجونا وماذا يفيد الهجاء إذا أسلم الروح سمع كليل؟ وماذا يسعني الرّثاء المعنّي إذا نحن من صيد فينا الفصيل؟ ولكن الشاعر يرفض منطق الاستسلام والأمر الواقع بحثا عن التجاوز: أيا فحل يا مهر يا نخل يا رمل يا بحر كيف السبيل؟ والسبيل يتوصل إليها المساهلي بطريقة سريالية ليس هذا مجال مناقشتها: ألا لا حياة ولا مجد يرجى ولا عيش إن ذلّ فينا النّخيل ففي أمتي نبن أشواقنا فما يدرك المجد إلا الصّليل وفي انتظار ذلك يظلّ العيد مؤجلا: لا لا تعد يا عيد قبل مجيئه النّصر والتمكين للأجواد (من قصيدة عيد مؤجل) إني أدرك تماما ان محاولة الاحاطة بأي تجربة شعرية واختزالها في معالم وأفكار هو اعتداء على شعريتها فالقصيدة ليست بيانا ايديولوجيا أوجد لا فكريا أو ميتافيزيقا. لذلك أودّ التأكيد على المقدار الكبير من الشاعرية المرهفة التي تحفل بها قصائد المساهلي فأغلبها مطولات موزونة موقعة في غير تكلّف، سلسة العبارة في غير سفور جليّة المعنى في غير بساطة كشفت عن ذات تتضوّع عروبة وصدقا. وهو ينطلق في كتابة الشعر من تأسيس نظري ابان عنه في مقدمة الديوان: «وليس كثيرا على العربية أطول لغات العالم عمرا وأعرقها ذخرا أن يحتفل بها أبناؤها ويجلها فرسانها وليس ذلك ما يدعيه عدد غير قليل من المتهافتين الذين يركبون كل موجة ويذهبون كلّ وجهة فهم إلى الإثارة أقرب وعن العبارة أبعد. وعبّر عن ذلك شعرا فقال: أنا لست أنتم لأني متّهم باجتياز الروّاق وإني أرتكب القول عكس السياق وأعرف أنه من يبتغ النبع يسبح خلاف اتجاه السواقي (من قصيدة أنا مشكلة) والمهم أنك لا تقرأ قصائد المساهلي بحياد بل إنها تثير انفعالك وتغازل فكرك وتمتّعك حتى مرثياته تمتّعك وتلك قدرة الشعر! على سبيل الخاتمة: وأنت تقرأ قصائد سالم المساهلي قد تقتنع أن أعذب الشعر.. أصدقه.