يواصل الشاعر سالم المساهلي نحت مشروعه الشعري فبعد «أشواق الخيل» (2001) «ماذا لو يبوح النخل» (2003)، «حديث البلاد» (2005)، «المحكيات» (2006) و«انعتاق» (2007)، يطلّ علينا بمنجز شعري جديد وسمه ب«كبرياء التراب». يغازل مشروع سالم المساهلي الشعري الذائقة الكلاسيكية مبنى ومعنى فهو منشدّ إلى تفعيلة الخليل، حريص على التقفية وجمالياتها الموسيقية المنتظمة دون تكلّف أو افتعال سواء نَظَمَ القصيدة العمودية أو الحرّة نائيا بنفسه عن قصيدة النثر ومتطلباتها. أمّا مضمونا فالشاعر من القائلين بدولة المعنى بعد أن بشّر البعض بتهاويها وهو لا يؤمن بنظرية «الفن للفن» بل إن مجموعاتها كلّها ملتزمة بخط نضالي إنساني يتغنّى بالقيم والأصالة والوطن: لا يوم لعيدك يا وطني كلّ الأيام لك عيد فأنا أنسى حين الحب ما الوقت، يغيب التجديد في كلّ سماء تحضنني في نبض ترابك تغريد... من قصيدة (ضيق الدنيا) وينتصر للقضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية مبشّرا بالفطنة بدلا عن الفتنة معبّرا عن أمل عميق بغد أجمل أكثر ألقا وإشراقا ينهض على أقانيم الإصرار والصبر والكفاح آمنت بالإصرار في دمكم يعطّر مشهد الأيام في عمر البلاد... آمنت بالصبر المدوّي في جبين الأم تحضن طفلها جرحا كريما عاليا فتزغرد الأسواق في دمها يؤلفها الكفاح من (الفطنة الكبرى) إلاّ أنّ المضمون الجميل لا يصنع بالضرورة شعرية القصيدة بل يُصبح عبءا عليها حينما يستحيل بيانا شعاراتيا حماسيا سافرا يلامس تخوم الهجاء: أما الذين بلا سمات أو صفات أو دماء فحسابهم أن يقذفوا من قمة التاريخ إلى قعر المزابل... من (الفطنة الكبرى) فالفن الملتزم هو فن أولا... ثم ملتزم ويبدو أن سوء فهم قد يتمثل في التكوين الذائقي أو عدم الإلمام بالتأسيس النظري لقصيدة النثر ومنابعها الجمالية مازال ملازما لبعض شعراء العمود ومنهم المساهلي. وقد تجاوزت مسألة الدفاع عن كينونتها واستقامت شكلا فنيا مدهشا، مفارقا، مغريا وعصيّا على الوأد والاستسهال، عميق الاتصال بكتابه ومتناغما مع إيقاعه الروحي دون ادعاء «قتل الأب». يرى البعض أن يبعثر قولا دون نهج وأن يظلّ ركاما فإذا القول غائم وبهيم لا يدلّ ولا يُفيد مراما من (بيت القصيد) ولعلنا لا نجد تصويرا أفضل لمجموعة المساهلي الأخيرة ممّا خطه د. يوسف شحادة في تصديره المعنون ب«كبرياء التراب» كبرياء الأمة «تجربة سالم المساهلي الشعرية في هذا الديوان، قد تمدّدت أفياؤها. واتسعت آفاقها، وعظمت مداركها وكبرت محاسنها حتى لامست شغاف الجمالية المتألقة وأثمرت مضامين إنسانية سامية، مستوحية ذاتها من قيم التراث الشعري العربي العظيم». فاتحة: لي مذهب في الحب أصدق آية من أنبياء اللغو والسواح أدعو إلى الإيمان بالحب الذي شرقت به الأشواق في الأرواح من (لن أعود إليك)