كتب الاستاذ بالجامعة التونسية ومنسق شبكة باب المغاربة للدراسات الاستراتيجية صلاح الداودي نصا تلقت الشروق اون لاين نسخة منه تحدث فيه عن ما بعد المصالحة الفلسطينية والاحتمالات السياسية وعن عمق المشكلات وجاء النص كالتالي: ذكرت صحيفة يديعوت احرونوت يوم الأحد 2017 في مقال لسمدار بيري بعنوان "ظل البرغوثي"، انه توجد تقديرات وتسريبات تفيد أن الرئيس محمود عباس لن يضغط في حال انتخابات رئاسية لاحقة للاتفاق بين فتح وحماس، لن يضغط من أجل ترشيحه والبقاء في السلطة، فيما تعهدت حماس بأن لا تقدم مرشحا للرئاسة سواء أكان اسماعيل هنية أم كان غيره. وأهم من ذلك أن يحيى السنوار تعهد لزوجة الأسير مروان البرغوثي أنه لن توجد أي صفقة أسرى في المستقبل تعنى بها حماس بالدرجة الأولى، لا يكون الأسير مروان البرغوثي مشمولا بها. من المرجح جدا اذا لم نقل من البديهي، أن يكون الوفد الصهيوني الذي التقى المخابرات المصرية في القاهرة أيام إمضاء اتفاق المصالحة وامضاء فصائل غوطة جنوبدمشق الشرقية لدمشق على التهدئة في القاهرة وفي نفس اليوم أي 8 أكتوبر 2017، بمن فيها "أكناف بيت المقدس" الحمساوية التي أمضى باسمها محمد علوش، من المرجح أن يكون الوفد الصهيوني قد تطرق مع الطرف المصري الى عدة موضوعات معقدة أخرى خارج نص الإتفاق وخاصة موضوع السلاح والأسرى والحدود...الخ. هنا يفرض موضوع التسابق على ربح الوقت من كل الأطراف نفسه بدءا بالطرف المصري على المستويين الأمني والاقتصادي الداخلي والإقليمي وصولا إلى كيان الاحتلال في نفس المستويات وعلى نفس الصعيد مرورا بحسابات فتح وحماس ومن ثم سائر الفصائل الأخرى. بمعنى أن كل طرف يرتب الوضع الذي يراه الأنسب لنفسه وفق خطط محددة تكتيكية واستراتيجية إن كان مبدئيا وإن كان تحسبا لحسابات الربح والخسارة والتقهقر والسيطرة في الوقت الأصعب الذي قد يحمل معه تفجرا استثنائيا للاوضاع لا نتمناه ما بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ وقطع اشواطه الأولى في ذلك. ضمن هذه الظروف، يخيم موضوع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الفلسطينية مرة أخرى. حيث بين استطلاع للرأي أجراه مركز البحوث الفلسطينية في رام الله ان 67% من جملة 1.270 مستطلع من أعمار مختلفة في الضفة الغربية وفي غزة، يريدون لمحمود عباس أن يرحل. في حين عبر 31% فقط عن رضاهم عنه. اما في حالة إجراء انتخابات للرئاسة الفلسطينية بعد يوم، فإن اسماعيل هنية سيحصل على 50% من الأصوات بينما يحصل ابو مازن على 42% فقط في الوقت الذي لا يحصل فيه ماجد فرج وجبريل الرجوب، من داخل فتح، على أي حظوظ رغم مكانة كل منهما على المستوى السياسي بالنسبة إلى الأول وعلى المستوى الاستخباراتي بالنسبة إلى الثاني. على عكس ذلك، يحصل مروان البرغوثي إذا ما تنافس على 59%، فيما سيحصل اسماعيل هنية على 36%. اما الإنتخابات البرلمانية فتتيح الأغلبية لحركة فتح حسب نفس الاستطلاع شريطة إبعاد أبو مازن. في إستطلاع آخر للرأي أنجزه مركز القدس، يتفوق مروان البرغوثي على كل منافسيه بمن فيهم محمد دحلان الذي لا يحصل على أكثر من 1.5% ويحل سادسا في الاستطلاع الأول الذي أجراه مركز البحوث الفلسطينية. وبالتالي فإنه من الصعب أن تتيح لنا مثل هذه الاستطلاعات استشراف ماهو أبعد من تحصيل ما يمكن تحصيله من تحسين أوضاع وتصريف أعمال. ذلك أن توقعات واضحة متقدمة حول صيغ الحكم وحول فرص التفاهم بين الفصائل على برنامج حد أدنى دون أن نتحدث عن إعادة بناء منظمة التحرير وبرنامج المقاومة وحق العودة وسلاح المقاومة...الخ، تبدو مبالغا فيها في الوقت الراهن. ما يعني انه لا توجد ضمانات فعلية وحاسمة حول أي من الأمور ذات الصلة بالمصير. في واقع الحال، واستنادا إلى تصريحات الجهات العسكرية والاستخباراتية والسياسية في كيان العدو أولا وكل من يدعم أميركا وإسرائيل في المنطقة ثانيا، في خصوص المصالحة وفي خصوص ما سمي استراتيجية أميركا تجاه إيران، ما يدفع نحو التقليص من سقف التوقعات ونزع جملة من الأوهام لا يبالغ في التمسك بها إلا من يعمل على تعمية لها أهدافها واجندتها وجدولها الزمني. وأكثر من ذلك، يغلب الظن أنه يعمل على محاولة تحييد فلسطينالمحتلة وبالذات غزة عن أي احتمال مواجهة مع محور المقاومة في المنطقة أو استباقها أو تأجيلها مهما كانت سيناريوهات إمكان تلك المواجهة وذلك التحييد أو استحالتهما. وفوق ذلك، يصعب جدا في الحقيقة إغفال ما سمي "البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين" حسب دراسة جيورا ايلاند التي نشرها مركز الدراسات الإستراتيجية بيغن- السادات التابع لجامعة بار ايلان الصهيونية. ففرضيات وصفقات السلام التي لا يبدو أن شيئا منها يمكن أن يتحقق دون شتى فرضيات الحرب تجعلنا نرى ان ما يجري تحت عنوان مصالحة ليس أقل من تسوية بالأحرى، وأن الصراع أعمق من مجرد انقسام وان الحصار والعقوبات أبعد من مجرد ظروف معيشية صعبة وسياسية مختلف عليها.