تلعب اللجنة الثقافية للقيروان الجنوبية دورا كبيرا في تنشيط الجهة بحركية متنوعة ثرية تجمع بين الترفيه والتثقيف والاستفادة وتسيير الكثير من الانشطة الثقافية وايجاد المادة الملائمة لتمكين المقبلين على الاستفادة البنّاءة والمشاركة الفعّالة في كل هذه التظاهرات. الترفيه والتثقيف : بذلت اللجنة الثقافية جهدا طيبا ونظمت معرضا لنماذج في الفن التشكيلي بلوحات رائعة جمّلت المشهد العام لهذا اللقاء الثقافي الذي أسهم فيه أربعة فنانين وهم : فوزي قليمة، عبد الرحمان دلدول ونجاة بلخيرية ونجاة الشافي في ابداعات اتسمت بتنوع الأساليب الواقعية الحديثة والتقليدية والرمزية والتجريدية التعبيرية والانطباعية التي اختلفت في المستويات والتقنيات، حيث رأينا أعمالا مغرقة في الواقعية وآعمالا متنوعة في تجريديتها، وكأنما عمدت ادارة اللجنة الى ترتيب الأعمال حسب الأساليب والتفاعلات اللونية والمواد المستعملة والتي كان بعضها متميزا وجديرا بوقفة متفحّة من طرف السيد الحبيب العوّال والي القيروان والسيّد الهادي الكريشي الكاتب العام للجنة تنسيق التجمع والسيد شاهر الميلادي معتمد القيروان الجنوبية وثلة من المثقفين والمفكرين والطلبة، وذلك يوم السبت جوان بقاعة محمد الحليوي من المركب الثقافي أسد بن الفرات بالقيروان. الاستفادة : تواصلت في نفس اليوم مظاهر التنشيط بالاستفادة من الجلسة العلمية التي أشرف عليها الاستاذ سالم المكي بمناسبة صدور كتابه «الاقتصاد في مقدمة ابن خلدون بين الواقع والنظرية» وذلك ببهو دار الثقافة، وقد قام بالتقديم بعد الترحيب، الاستاذ صلاح الدين بوجاه الذي تلا كلمة أشاد فيها بالمساهمة الجلية من ولاية القيروان وما يلقاه كل مبدع ومفكّر من دعم معنوي ومادي من طرف كل الهياكل والجماعات الجهوية التي تساهم لانعقاد مثل هذا اللقاء، وأضاف ان مدينة القيروان لا تزال كعادتها وجهة الابداع وقلعة ثقافية واعدة تعمل على خدمة الأديب العربي المعاصر وتؤسس لنص حداثي ينهض بكل الثقافة في تونس. ودعا الروائي صلاح الدين بوجاه الحاضرين الى قراءة هذا الكتاب المنضبط انضباطا كاملا والاطلاع على أهداف هذا البحث وبعض خفاياه مستدرجا عديد الطلبة قائلا : هو استقراء منظم وشامل صدر في سنة «لكل تونسي كتاب» وهذا يدل على دور الكتاب في مجتمعنا التونسي، مجتمع المعرفة. لسنا هنا لعلم الاجتماع فقط، فالمسألة الاقتصادية هامة جدا من قبيل علم دقيق يتسلح به المرء في «الأحداث الاقتصادية» (الجزء الاول من الكتاب) ثم كشف القناع عن الارتباط القائم بين رأس المال والربح «في الفكر الاقتصادي» (الجزء الثاني) حيث قال ابن خلدون «إن الأرباح تكون على نسبة رؤوس الاموال»، وفي نفس هذا المعنى : «إن الربح بالنسبة الى أصل المال يسير الا ان المال اذا كان كثيرا عظم الربح لأن القليل في الكثير كثير، ثم لا بد في محاولة هذه التنمية من حصول هذا المال بأيدي الباعة في شراء البضائع وبيعها ومعاملتهم في تقاضي أثمانها». ولا شك ان هذه الدقة تجعل لكلام ابن خلدون هاهنا منزعين هامين أولهما يلتقي مع القانون الاقتصادي المعروف : «ان المال يدعو الملل» والثاني يقوم على القاعدة الاقتصادية الأساسية التي تعتبر الربح مناسبا طردا لرأس المال وهذه فكرة تجعلنا نستكشف في كلام صاحب المقدمة بوادر موقف ضد اكتناز المال باعتبار ذلك لا يخدم الاقتصاد ولا قيمة له الا بالاستثمار. وعبّر الاستاذ سالم المكي عن فخره واعتزازه لوجوده مع هذه النخبة الشبابية التي تهتم بفكر ابن خلدون بعد ستة قرون عن وفاته وذكر أنه ليس من المبالغة القول ان البحث في الفكر الخلدوني يبقى على الدوام عملا متجدد الأهمية لافتا لانتباه الدارسين، اليوم يضع بين أيدي القراء مواضيعه الشاملة والدقيقة بما هو موجود في «المقدمة» التي لها علاقة بعلم الاقتصاد، هو يريد ابراز الفكر الاقتصادي لابن خلدون في علاقته بالواقع والنظرية وهو ما يفسّر أساسا اهتمامه منذ أن كان طالبا في بداية السبعينات بابن خلدون واجتهاده في سبر مكامن فكر هذا العالم العربي الكبير. وبعد النقاش والمداخلات التي احتوتها هذه الجلسة أدرك أصحابها ما تخفّى من اشكاليات مطروحة للسؤال اثر تقديم أهم التحاليل الاقتصادية التي وضع الاستاذ سالم المكي اليد على مكامن وتفاصيل المجمل الرئيسي لمحور هذا اللقاء. وتحدّث أيضا عن قانون العرض والطلب والجباية والتخفيض في النسب وقال : آثارنا تدل علينا يكفي ان نقرأ لابن خلدون وهي أحسن طريقة للرد على الغرب حين تبرز عقائد جديدة يحاول الغرب أن يفرضها علينا، ما يسمّى بالتوجه او الوصفة او كرّاس الشروط وكأنهم مؤسسو الاقتصاد في شكله الغربي وهو أصح موضة العولمة، ليست لنا عقدة حضارة مع الناس، ولا ندّعي ان ابن خلدون أسس وحده علم الاقتصاد، ولكن علماء الغرب يشهدون ان الاقتصاد هو من صنع فكر عربي مسلم أبدعه ابن خلدون. هي ندوة علمية ولفت نظر لشبابنا وابن خلدون شجرة تظل شامخة لأن نكهة هذا اللقاء تمت في مدينة القيروان.