يبقى السؤال مفتاح باب المعرفة وركيزة البحوث الجادة التي تروم الوصول الى الحقيقة: وقديما قال أبو عمرو الجاحظ الشك طريق الى اليقين وقد بنى جميع الفلاسفة والمفكرين أعمالهم على طرح السؤال للوصول الى الاجابة فلو لم يكن السؤال لما كانت الاجابة. فالسؤال إذن مستفز لها ولأهميته تلك نزعت كل البحوث العلمية الى طرحه وما الاشكالية إلا سؤال كبير يطرحه الباحث في مقدمة عمله ليحاول أن يجد له إجابة في متن الدراسة. إن السؤال هو عماد المناهج ومن لا يلجأ اليه لن يستطيع أن يظفر بما يبحث عنه. فبنية العقل العلمي أصلا تتخذ من السؤال محورها الرئيسي فلو لم تكن «لماذا» لما اكتشف نيوتن قانون الجاذبية عندما سقطت عليه التفاحة من على ولما اكتشف انتشاين قانون النسبية. فالمسلمات في حد ذاتها مضرة بالعمل العلمي ولا تسهم البتة في حركيته ما لم يتدخل السؤال ليخرجها من خمولها وجمودها ويغذيها بالحركة. إن الحيرة العلمية هي التي تدفع الى طرح السؤال وطرح السؤال يدفع الى الحصول على الاجابة وبالتالي فإن السؤال في كلمة هو قلب البحوث الفكرية والفلسفية والادبية والعلمية النابض وهو المطية التي يركبها الباحثون للوصول الى المعارف وبدونه تبقى البحوث عرجاء غير مجدية في كثير من الاحيان. السؤال هو عماد الفكر الفلسفي والفكر العلمي وهو النبراس الذي يهدي الى أقوم السبل والمسالك فلنكن في حالة حيرة مستمرة نطرح السؤال تلو الآخر لان المعرفة لا توجد في المسلمات بل ترد في الاجوبة التي تتطلبها الاسئلة المطروحة. **المساءلة والتأويل في الفكر والأدب نزار حبوبة- تونس 2004 يبدأ مقدم الكتاب محمد عجينة بمقولات مختلفة عن التساؤل والمساءلة كقولة ميشال مايير «إن المساءلة جوهر الادب ومنتهاه» أو مقولة بورخيس إن الاسطورة في مبتدأ الأدب ومنتهاه ومقولة «إن التساؤل قوام الفلسفة» «بنت الدهشة» «وقوام العلم والادب» ليقول إن التساؤل هو المجال الذي اختاره معد الكتاب للعمل ضمنه. تضمن الكتاب خمسة مقالات اهتم كل مقال منها بمساءلة معينة. ففي المقال الاول اختار الباحث أن يتطرق الى «المساءلة الشعرية في شعر جيل التسعينات فتحدث في مستهل المقال عن ماهية المساءلة وأبعادها وعن التأويلية وكيفية استعمالها وعن الجمالية باعتبارها بعدا من أبعاد المساءلة ليتنقل فيما بعد الى مسألة المساءلة في شعر التسعينات متخذا مثالا لذلك مجموعة «احتراق الشذى» لمجدي بن عيسى فحلل مقومات المساءلة وعناصرها وتتبع مسار أسئلة المجموعة ورصد اتجاهها. أما المقال الثاني فقد اختار الاديب محمود المسعدي أنموذجا ليتحدث عن الادب تنظيرا وإبداعا فحاول الكشف عن مفهوم الادب في مقالات الرجل. تحدث أولا عن مفهوم الادب العام ومفهوم الادب الخاص عنده وعن التعبير في الخيال والوجدان والفكر كما تحدث عن تأثير أدب المسعدي في النفوس وعن الايحاء والاشارة فيه واستعرض تجليات المفهوم في نصوصه وسر الوجود ومعنى الكيان فيها والى ما تضمنته من نسيج قيم. المقال الثالث اختار له عنوان «من مظاهر الاسطوري في القرن العشرين» وقد تطرق فيه الى الخطاب الاسطوري فتحدث عن البدء عن ماهية الاسطوري وقضاياه وعن معناه لغة ثم اصطلاحا ثم عدد مبررات اختياره البحث في هذا الاسطوري وتحدث عن «دواعي حضور الاسطوري في الراهن وفي مرحلة ثالثة من هذا المقال حاول الباحث ان يقف على تجليات الاسطوري في العصر الحديث ليتعرض اليه والمعيش اليومي ويقارن ما بينه وبين السياسي والايديولوجي ويتحدث عن علاقة الاسطوري بالعقائد وعن الاسطوري والادب وعن اتحادهما في الماهية ليخلص الى وظائف الاسطوري في العالم الحديث. أما المقال الرابع فقد درس فيه رمزية النخلة في الفكر والادب فتحدث عن الرمزية العامة من منطلق الخلق والقداسة والخلود لينتقل في مرحلة ثانية الى رمزية النخلة الخاصة من خلال نماذج أدبية قديمة وحديثة سواء كانت شعرية أو نثرية وعن اقتران الحديث عند شعراء الجاهلية عن النخلة بالمرأة وكذلك عن الرابط بين هذه الشجرة والحيوان وبينهما وبين الخمرة وعن النخلة والحلم وعنها وصورة الكون والنخلة والنفس، والمقال الخامس والاخير خصصه الباحث الى مسألة «الهرمينوطيقا التي تهتم بتأويل النصوص ونقدها وتحدث عن أبعادها». **الاقتصاد في مقدمة ابن خلدون...بين الواقع والنظرية سالم المكي- تونس 2004 الكتاب كما يذكر صاحبه في بدايته «إعادة توضيب مع بعض التنقيحات والاضافات لبحث علمي كان تقدم به المؤلف لنيل شهادة الكفاءة في البحث العلمي. يكشف الكتاب عن غرض آخر من الاغراض التي تناولها ابن خلدون بالدرس ونعني بذلك الجانب الاقتصادي الذي لم يقع التعرض اليه فيما نزعم من قبل باعتبار أن الذين درسوا آثار ابن خلدون قد اقتصروا في معظمهم على العمران البشري والتاريخ وعلم الاجتماع عموما. يقول الاستاذ صلاح الدين بوجاه في تقديم الكتاب «... لقد أحصى سالم المكي ورتب من المواد الاقتصادية المبثوثة في المقدمة ما يقيم الدليل على توفق ابن خلدون في وضع اللبنات المرجعية النظرية الاولى لعلم الاقتصاد. وقد كان صاحب المقدمة من القائلين بالاقتصاد الليبرالي واثقا بالقوانين الطبيعية المتحكمة في السوق مستنكفا من أي تدخل يعطل به السلطان سير هذه القوانين لكنه كان مع ذلك من أول من نبه الى النتائج الوخيمة التي تتأتى عن السير المشط في نهج الليبرالية المطلقة»... يتشكل الكتاب من مقدمة عامة وجزئين كبيرين وخاتمة المقدمة تطرقت الى ما أسماه «وحدة العلوم الاجتماعية وتأثرها بالواقع والى سيرة ابن خلدون السياسي المفكر والى العصر الذي عاش فيه وما تميز به من اضطراب سياسي والى تجربته العلمية وتآليفه «كتاب العبر» ثم تعرض الى هجرته الى القاهرة. وفي قسم آخر من هذه المقدمة استعرض مؤلف الكتاب آثار ابن خلدون خاصة «المقدمة» بأكثر تعريف باعتبارها على حد قوله «هي التي بنيت عليهاشهرته» ليتطرق فيما بعد الى تعداد مواقع المواضيع الاقتصادية فيها. الجزء الاول خصصه الدارس للحديث عن الاحداث الاقتصادية في عصر ابن خلدون والى صعوبة التأريخ لهذه الاحداث بالمغرب في القرن الثامن للهجرة مستعرضا العوامل المنشطة لها والعوامل المعطلة. والى أعوان الحياة الاقتصادية وآلياتها والى مختلف الانشطة الاقتصادية كالفلاحة والمعادن والصنائع وطرق الانتاج... وذلك من خلال «المقدمة» طبعا. أما الجزء الثاني فقد أفرده الباحث الى الوقوف على «الفكر الاقتصادي بدأه بتعريف الاقتصاد لغة واصطلاحا وتقديم لمحة عن تاريخ النظريات الاقتصادية لينتقل في مرحلة ثانية الى «منهجية البحث الاقتصادي وينتهي في مرحلة ثالثة الى «التفكير الاقتصادي عند ابن خلدون» محاولا إبراز أهم عناصره كما وردت في مختلف أبواب المقدمة». أما الخاتمة العامة فقد أدرج فيها الدارس مجمل الاستنتاجات التي استخلصها من بحثه في فكر ابن خلدون الاقتصادي محاولا أن يتبين منزلة ابن خلدون بين سابقيه ولاحقيه من علماء الاقتصاد. الكتاب دراسة علمية تتميز بالانضباط في البحث وهو ينير لنا مسالك أخرى لم نألفها فيما سبق من الدراسات عن ابن خلدون.