الدكتور صلاح القصب من علامات المسرح العربي درّس جماليات المشهد المسرحي في كليات وأكاديميات الفنون في الشرق والغرب وانتهى به الترحال الى العمل في الدوحة كخبير في المسرح. الدكتور صلاح القصب يزور تونس كضيف في أيام قرطاج المسرحية، التقته »الشروق« في هذا الحوار حول اللحظة العراقية الحالية والمسرح العربي. الإستعمار الأمريكي البريطاني للعراق، إلى أي حدّ يستطيع أن يمحو الذاكرة الثقافية في العراق ؟ الوجود الإنساني وسط زحمة أسئلة متداخلة تشكّل سؤالا أكبر لدى المبدع بتحديد خارطة المشهد الثقافي والفني. إنّ التاريخ العالمي للقارات الخمس وما شهدته من أحداث وحروب وأزمات كل ذلك التاريخ الذي يمتلك فجيعة وحرائق ربّما أحرقت مشهده الثقافي ولكنها لم تستطع أن تحرق التاريخ الإبداعي للإنسان. المجد الإبداعي مجدا خالدا ينبض في كل اللحظات تاريخا وزمنا فالأزمات التي عاشها البياتي وسعدي يوسف وبلند الحيدري وآخرون مبدعون في مجالات وفضاءات غير عالم القصيدة وكريستالية الشعر على مستوى الإبداع المسرحي أو الروائي بقي مجدهم سرمديا خالدا لذلك تتحدّد رؤيتي ومقترحاتي والتي هي فلسفتي الخاصة بأن المجد الإنساني يبقى يقظا ووجودا متفاعلا مع كل الفضاءات التي تتقدّم نحو الآتي والمستقبل، حرقت القصائد وحجبت الرؤى ولكن الإبداع بقي متيقظا ينشد مع كل الحضارات المتقدمة التي تمجّد الإنسان. اغترب البياتي ومات في غربة موحشة وكذلك نرى سعدي يوسف يعيش في غربة بعيدة عن مقاهي بغداد والبصرة وكذلك الجواهري وبلند الحيدري لكن في هذه اللحظة لحظة اللقاء معكم سنتذكر المجد لهؤلاء الإيديولوجيا والبرلمانية محدّدة بأزمنته وظروف وبأحداث وتطورات ربما تلغي فعلهم الإيديولوجي لأن السياسة عالم ضيّق ومحدّد بظرف تاريخي واجتماعي محلي عالمي. أما المبدع فإنه زمن أزلي سرمدي تمجّده كل العصور لا أزمنة محددة ومن هنا فإن نظريتي الفنية تنطلق من كون المبدع ايديولوجي جمالي ليس برلمانيا أو مؤطرا بدوائر الدولة وسلوكياتها وكي لا يتأطر المبدع عليه أن يجرّد ذاته من كل الأدلجة السياسية التي لا تستطيع أن تكون مجدا أليا ربما تكوّن شهرة على مستوى الاعلام والصحافة والتلفزة لكنها لن تدخل مطلقا الي فضاء الإبداع الأزلي.. الإبداع هو وجود وحوار حضاري جدلي مستمر. كيف ترى ما يحدث في العراق الآن ؟ العراق تاريخ يمتدّ الى ملايين السنين العراق الذي شكلته قراءات متعددة وأزمنة ممتدة، أزمنة القانون والرياضيات الرازي وابن سينا وكل الفلاسفة مرورا بالكندي وآخرون هؤلاء هم تاريخ عميق فالعراق الذي غرقت أرضه بأسماء مبدعة وبكافة المستويات العلمية والفنية والثقافية لا يمكن أن يمحى من قارات العالم الخمس، إنه نبض انساني ومازال الشعر موجودا ومازالت هناك أجيال متواصلة ضعيفة أمام الإبداع والإنسان والتاريخ. في رأيي أن ما حدث في العراق كان شيئا متوقعا لأن الخارطة العالمية بدأت تتسع وتكبر أما ما نشاهده على مستوى الحدث السياسي أعتقد بأن الثقافة للعراق الذي ينشد مجدا إنسانيا كبيرا لا يمكنه أن يتلاشى أو يتغيب أمام الخارطة السياسية العالمية. المسرح العربي خبرته قراءة وكتابة ومواكبة.. أين يقف المسرحيون العرب قياسا بالمشهد العالمي؟ هناك تجارب شهدها الخطاب المسرحي العربي متقدمة في قراءتها الجمالية والفلسفية على الكثير من الخرائط العالمية هناك تجارب في المسرح التونسي وهناك تجارب في مصر وسوريا والعراق والأردن هذه التجارب ستشكل في حركتها الديالكتيكية الجمالية قارّة جديدة ملوّنة لا نرى فيها إلا موسيقى الجمال واللون والسحر والدهشة هناك فضاءات نقدية متقدّمة وأطروحات نظرية ولكن هناك معاناة تكمن في عدم إيصال التجربة العربية الى قارات أخرى وهنا يتحمّل الإعلام العربي والأنظمة عدم الانتشار لهذا الإبداع الذي يفوق بقراءته المشهد الفني عالميا. الكثير من الطروحات بأسماء عالمية هي ليست بالمستوى الذي يتحرّك نحو الآتي بأطروحات مستقبلية مدهشة وما نشاهده من خلال المهرجانات والأطروحات النقدية لكثير من الأسماء التي تملك ترويجا عالميا تقف صغيرة أمام بعض التجارب العربية. لم يعد هناك أي اندهاش لهذه الأسماء التي تبهرنا سمعا ولكن عندما نقرأ الأطروحات النظرية شخصيا أتفاجأ عندما أقرأ كتاباتهم التي هي كتابات خمسينية ومازالت رؤاهم الإخراجية موغلة في المحاكاة لم يكن هناك شيء جديد لكن هذا لا يلغي أن هناك تجارب مدهشة ومثيرة في الخارطة المسرحية عالميا. كيف ترى مستقبل العراق على ضوء ما يحدث؟ عندما تكون هناك ثقافة مستمرة وبحث عن مدنهم المتعددة فهذا يعني بأننا ضمن بدايات المستقبل وعندما يتوقف هذا الصوت. هذا يعني بأننا لا نرى المستقبل بمنظور حضاري إنساني يسمح للمشهد الثقافي بالدخول الى مدن المستقبل. المشهد الثقافي العراقي لم يتوقف ويتحرّك ضمن القراءات المستقبلية. هناك سؤال للثقافة العراقية سؤال مستمر منذ سنين على مستوى القصيدة الشعرية الذين هم امتداد للجواهري العظيم والبياتي وسعدي يوسف هناك سلام كاظم وزاهر الجيزاني كما أن عظمة الموسيقى مازالت خالدة كخلود زرياب والقبنشي وحضيري أبو عزيز وزهور حسين هذا مجد ترتفع قاماته أعلى من أية قمّة تحدد جغرافية الأرض العراقية أو الجغرافية العالمية مازال الزلزال الثقافي العراقي ينفجر إبداعا وقراءة ونشيدا فالعراق الذي شهد ابراهيم جلال وقاسم محمد وجاسم العهودي وجواء الأسدي وعوني عرومي وعزيز خيون يستطيع وبكل اللحظات أن تتوالد بخريطته أجيال أخرى مضافة. هذا الوجود الثقافي العميق هو الذي سيشكّل أمل التواصل مع المشهد الثقافي والفني للعراق، الأساطيل والطائرات وكل دحرجات القرن 21 تبقى.. نحن متواصلون مع النبض الانساني والثقافي لأننا أصلا نشيد تاريخي سومري بابلي. نحن كالإغريق، كأرسطو وأفلاطون مازلنا نحمل عمقا جدليا وسؤالا مستمرا لذلك نحن في دائرة المستقبل بمعناها الإبداعي والتواصلي ربما نحن بعيدون الآن عن مجريات الحضارة العالمية بمفرداتها المتعددة وبعيدون عن التواصل العلمي والاجتماعي. ولكن متواصلون مع النبض الإبداعي الذي تكمن خلاياه في الجسد العراقي.