تونس «الشروق»: حوار: نور الدين بالطيب الدكتور صلاح القصب البيّاتي من الضيوف العرب الذين لم يتخلّفوا عن أي دورة من دورات أيّام قرطاج المسرحية منذ تأسيسها مطلع الثمانينات وهو من أشهر الباحثين العرب في مجال المسرح. القصب رفض مغادرة العراق رغم كلّ المعاناة اليومية تحت حكم الاحتلال لأنّه لا يتصوّر حياته بعيدا عن بغداد ولا عن العراق. «الشروق» التقته في هذا الحوار. ضفاف الثقافة بدأت في التصحّر وبدا الإنسان غائبا فكرا في هذا العالم الذي تتصارع فيه الايديولوجيات المزدحمة والشائكة لذا فإنّ البديل الذي ينشد قارة جديدة هو الثقافة والفنون ولكي لاتموت الثقافة والفنون كما تنبأ نيتشة في كتابه «العود الأبدي» الذي قال فيه أن كل شيء سيموت لو تعمّقنا في هذه المقولة لاكتشفنا حقائق ومؤشرات كثيرة تعيد تلك النبوءة التي جاء بها نيتشة حيث بدأت الثقافة في كثير من الدول تضمحل وتتراجع حتّى في أوروبا. لم يظهر شعراء كبار في العراق بعد البياتي ولم يظهر شعراء بعد أدغار ألن بو ورمبو وجويس ولم تتقدّم الفنون التشكيلية ولا المسرح ولكن هناك ضوء إنساني كبير وديالكتيك جديد، هذا الديالكتيك بدأ يشكّل تحديا لتلك الأطروحات التي تناقش في المؤتمرات العالمية، مؤتمرات السياسة التي تفكّر في تغيير العالم من محيط للحوار الثقافي والفني إلى محيط اقتصادي للهيمنة الاقتصادية وهو ما يعني أن الثقافة ستتحوّل إلى محيط ومؤشّر اقتصادي وهذا خطر وعلينا كمثقفين أن نفكر في البديل. ومن هنا جاء المهرجان في دمشق والقاهرة وقرطاج وعمّان وهي حوار ثقافي يتحدى الأطروحات التي تريد أن تغيّب الثقافة وتغيّب الإنسان، نحن نبحث الآن عن قارة جديدة مثلما يبحث السياسيون عن قارة سياسية خاصة لذلك فإنّ مهرجان قرطاج للمسرح هو رسالة تواصلية وحضارية رسالة تمجّد الإنسان رسالة تبحث عن مشروع ثقافي جديد رسالة تريد أن تتخطى مقولة نيتشة. هناك أفق للإبداع وهذا عكس ما دعا إليه نيتشة الوشم الثقافي سيبقى ومهرجانكم هو تمجيد لكل ما هو تقدمي وإنساني ينشد مجد قرطاج. المهرجان هو تواصل مع العالم وسيبقى مهرجان قرطاج قيمة فنية كبيرة ورسالة إلى العالم أساسها الحوار والاختلاف وصولا إلى قارة ثقافية تمتلك سماء جمالية وتمتلك عطاء إنسانيا وقوّة الشعر وفردوس الموسيقى لذلك قرطاج هو فردوس الثقافة وفردوس للتواصل. ما هو وضع المسرح العراقي تحت الاحتلال الأمريكي والبريطاني؟ الثقافة لا تموت مثلما لم تمت الثقافة في إسبانيا، بقي لوركا وبقيت الرموز الثقافية لأنّ الثقافة تراكم كبير وهي محيط وجيولوجيا لها طبقات متعددة لا يمكن أن يخترقها الاحتلال ولا أي نظام يريد أن يغيب الثقافة لذلك فالمسرح العراقي هو جزء من الثقافة العراقية وقد تأسس وفق رؤية ابراهيم جلال وجاسم العبودي وقاسم محمد وهو جزء من الثقافة العالمية عندما حطمت النازية كل مجد ثقافي لم تمت الثقافة في ألمانيا رغم الهجمة النازية وكذلك الفاشية في إيطاليا وإسبانيا، الثقافة هي سلسلة جبال والمسرح العراقي جزء من هذه السلسلة الشامخة لذلك لن يموت المسرح لأنه تأسس ضمن الموروث الثقافي الإنساني، هناك محاولات في العالم لتغييب الثقافة لتمرير المشروع السياسي بجعل الإنسان سلعة معروضة في أي مخزن من المخازن. لذلك المسرح العراقي مستمر ما دام هناك إنسان تقدّمي رغم الاحتلال. لماذا لم تهاجر كغيرك من الجامعيين العراقيين؟ بغداد والعراق هي جزء من تاريخ صلاح القصب وصلاح القصب جزء من التاريخ العالمي التقدمي ولا يمكن أن أغادر العراق تحت أي ضغط لأن العراق هو الذي كوّن صلاح القصب وخلق منه اسما ووشما معروفا سواء في العالم العربي أو العالم لا يمكن أن أترك شوارع بغداد وأهلها ولا يمكن أن أترك ذكريات، الهجرة هي أن تحرق ذكرياتك وأنا أمجّد ذكرياتي ولا أحرقها وكل من هاجر أحرق ذكرياته وهويته أنا هويتي هي العراق والعراق هو صلاح القصب. سامي مهدي شاعر لم يحظ بقدر كبير من الشهرة كيف ترى تجربته؟ سامي مهدي سماء ولون وحركة وتواصل وهو الوشم العراقي الذي لا يمكن أن يمحو من ذاكرة الشعر العراقي وهو ليس امتدادا عراقيا هو مدينة وشعريته هي مدينته الحقيقية كيف تدخل مدينته؟ تراه في دواوينه الشعرية العظيمة في ألق إنساني والتواصل الحضاري وعندما يستذكره المثقفون يستذكرونه كزمن شعري. ما هو مستقبل الاحتلال في العراق؟ لا يمكن للقوّات التي تقتحم أي بلد أن تغيّر الخارطة لن يستطيع الاحتلال تغيير خارطة العراق لذلك بدأت في الانسحاب لأنّها غير قادرة على البقاء لأنّ الشعب العراقي سيمتلك السماء والسيادة والحرية مهما كان الثمن وسيرحل الغزاة لأنّ إرادة العراق فوق كل إرادة أخرى.